الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اَلْفَصْلُ ٱلثَّالِثُ وَٱلْعِشْرُونَ

تعلّمَ الغفران من سيده

تعلّمَ الغفران من سيده

١ مَا هِيَ رُبَّمَا أَسْوَأُ لَحْظَةٍ فِي حَيَاةِ بُطْرُسَ؟‏

مَا كَانَ بُطْرُسُ لِيَنْسَى أَبَدًا تِلْكَ ٱللَّحْظَةَ ٱلرَّهِيبَةَ،‏ لَحْظَةَ تَلَاقَتْ أَعْيُنُهُمَا.‏ تُرَى هَلِ ٱسْتَشَفَّ خَيْبَةَ أَمَلٍ أَوْ لَوْمًا فِي نَظْرَةِ يَسُوعَ؟‏ لَا نَعْلَمُ يَقِينًا،‏ فَٱلسِّجِلُّ ٱلْمُوحَى بِهِ لَا يَذْكُرُ سِوَى أَنَّ ‹ٱلرَّبَّ ٱلْتَفَتَ وَنَظَرَ إِلَيْهِ›.‏ (‏لو ٢٢:‏٦١‏)‏ لٰكِنَّ هٰذِهِ ٱلنَّظْرَةَ ٱلْخَاطِفَةَ كَانَتْ كَفِيلَةً بِهَزِّ كِيَانِ بُطْرُسَ ٱلَّذِي أَدْرَكَ آنَذَاكَ كَمْ جَسِيمٌ هُوَ خَطَأُهُ،‏ هٰذَا ٱلْخَطَأُ ٱلَّذِي أَنْبَأَ بِهِ يَسُوعُ وَٱسْتَبْعَدَ هُوَ كُلِّيًّا حُدُوثَهُ.‏ لَقَدْ أَنْكَرَ سَيِّدَهُ ٱلْحَبِيبَ.‏ إِنَّهَا لَحْظَةٌ مَشْؤُومَةٌ،‏ إِنْ لَمْ نَقُلْ أَسْوَأُ لَحْظَةٍ فِي أَسْوَإِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِهِ.‏

٢ أَيُّ دَرْسٍ لَزِمَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ بُطْرُسُ،‏ وَكَيْفَ نَسْتَفِيدُ نَحْنُ مِمَّا حَدَثَ مَعَهُ؟‏

٢ لٰكِنَّ وَضْعَ بُطْرُسَ لَمْ يَكُنْ مَيْؤُوسًا مِنْهُ.‏ فَلِأَنَّهُ تَحَلَّى بِإِيمَانٍ قَوِيٍّ،‏ كَانَتْ لَدَيْهِ ٱلْفُرْصَةُ بَعْدُ أَنْ يَتَعَافَى مِنْ أَخْطَائِهِ وَيَتَعَلَّمَ وَاحِدًا مِنْ أَعْظَمِ ٱلدُّرُوسِ ٱلَّتِي أَعْطَاهَا يَسُوعُ:‏ دَرْسًا فِي ٱلْغُفْرَانِ.‏ وَٱلْيَوْمَ،‏ عَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَأْخُذَ ٱلْعِبْرَةَ عَيْنَهَا.‏ فَلْنُرَافِقْ بُطْرُسَ وَنَرَ كَيْفَ تَعَلَّمَ هٰذَا ٱلدَّرْسَ بِدُمُوعٍ حَارَّةٍ.‏

رَجُلٌ يَنْقُصُهُ ٱلْكَثِيرُ

٣،‏ ٤ ‏(‏أ)‏ أَيُّ سُؤَالٍ طَرَحَهُ بُطْرُسُ عَلَى يَسُوعَ،‏ وَمَاذَا ظَنَّ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ أَظْهَرَ يَسُوعُ أَنَّ بُطْرُسَ كَانَ مُتَأَثِّرًا بِٱلرُّوحِ ٱلسَّائِدَةِ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ؟‏

٣ قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَقْرِيبًا فِي كَفَرْنَاحُومَ،‏ دَنَا بُطْرُسُ مِنْ يَسُوعَ وَسَأَلَهُ:‏ «يَا رَبُّ،‏ كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟‏ أَإِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟‏».‏ ظَنَّ بُطْرُسُ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ أَنَّ ٱقْتِرَاحَهُ يَنِمُّ عَنْ سَمَاحَةِ نَفْسٍ.‏ فَٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ آنَذَاكَ عَلَّمُوا مَنْحَ ٱلْغُفْرَانِ إِلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَقَطْ.‏ لٰكِنَّ يَسُوعَ أَجَابَهُ:‏ «لَا أَقُولُ لَكَ:‏ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ،‏ بَلْ:‏ إِلَى سَبْعٍ وَسَبْعِينَ مَرَّةً».‏ —‏ مت ١٨:‏​٢١،‏ ٢٢‏.‏

٤ فَهَلْ عَنَى أَنَّ عَلَى بُطْرُسَ حِفْظَ سِجِلٍّ دَقِيقٍ بِإِسَاءَاتِ ٱلْآخَرِينَ؟‏ بِٱلطَّبْعِ لَا.‏ فَعِنْدَمَا رَفَعَ عَدَدَ ٱلْمَرَّاتِ مِنْ ٧ إِلَى ٧٧،‏ أَشَارَ بِذٰلِكَ أَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ تَمْنَعُنَا مِنْ وَضْعِ حَدٍّ تَعَسُّفِيٍّ لِلْغُفْرَانِ.‏ (‏١ كو ١٣:‏​٤،‏ ٥‏)‏ لَقَدْ أَظْهَرَتْ كَلِمَاتُهُ أَنَّ بُطْرُسَ كَانَ مُتَأَثِّرًا بِٱلرُّوحِ ٱلْقَاسِيَةِ ٱلْعَدِيمَةِ ٱلتَّسَامُحِ ٱلسَّائِدَةِ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ،‏ رُوحٍ حَوَّلَتِ ٱلْغُفْرَانَ إِلَى عَمَلِيَّةٍ حِسَابِيَّةٍ مَحْضٍ.‏ أَمَّا ٱلْغُفْرَانُ بِحَسَبِ ٱلْمِقْيَاسِ ٱلْإِلٰهِيِّ فَهُوَ مُسَامَحَةُ ٱلْآخَرِينَ بِكَرَمٍ وَسَخَاءٍ.‏ —‏ اقرأ ١ يوحنا ١:‏​٧-‏٩‏.‏

٥ مَتَى نَتَعَلَّمُ أَهَمِّيَّةَ ٱلْغُفْرَانِ؟‏

٥ لَمْ يُجَادِلْ بُطْرُسُ يَسُوعَ،‏ وَلٰكِنْ هَلْ مَسَّتْ تِلْكَ ٱلْمَشُورَةُ قَلْبَهُ حَقًّا؟‏ فِي بَعْضِ ٱلْأَحْيَانِ،‏ لَا نَتَعَلَّمُ أَهَمِّيَّةَ ٱلْغُفْرَانِ إِلَّا عِنْدَمَا نُدْرِكُ حَاجَتَنَا ٱلْمُلِحَّةَ إِلَيْهِ.‏ لِذَا لِنَعُدِ ٱلْآنَ إِلَى ٱلْأَحْدَاثِ ٱلَّتِي سَبَقَتْ مَوْتَ يَسُوعَ.‏ فَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَاتِ ٱلْعَصِيبَةِ،‏ كَانَ بُطْرُسُ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى غُفْرَانِ سَيِّدِهِ.‏

زَلَّةٌ تِلْوَ ٱلْأُخْرَى

٦ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ بُطْرُسَ حِينَ حَاوَلَ يَسُوعُ أَنْ يُعَلِّمَ ٱلرُّسُلَ دَرْسًا فِي ٱلتَّوَاضُعِ،‏ وَلٰكِنْ كَيْفَ عَامَلَهُ يَسُوعُ؟‏

٦ كَانَتِ ٱللَّيْلَةُ ٱلْأَخِيرَةُ مِنْ حَيَاةِ يَسُوعَ عَلَى ٱلْأَرْضِ لَيْلَةً بَالِغَةَ ٱلْأَهَمِّيَّةِ.‏ لَقَدْ بَقِيَ فِي جَعْبَتِهِ دُرُوسٌ كَثِيرَةٌ يُعَلِّمُهَا لِرُسُلِهِ،‏ مِنْهَا مَثَلًا دَرْسٌ فِي ٱلتَّوَاضُعِ.‏ فَبَادَرَ إِلَى غَسْلِ أَقْدَامِهِمْ،‏ وَهِيَ مُهِمَّةٌ يَتَوَلَّاهَا عَادَةً أَدْنَى ٱلْخَدَمِ.‏ فِي بَادِئِ ٱلْأَمْرِ،‏ ٱعْتَرَضَ بُطْرُسُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ يَسُوعُ.‏ ثُمَّ رَفَضَ أَنْ يَدَعَهُ يُؤَدِّي لَهُ هٰذِهِ ٱلْخِدْمَةَ.‏ لٰكِنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ أَصَرَّ عَلَيْهِ أَلَّا يَغْسِلَ قَدَمَيْهِ فَحَسْبُ بَلْ يَدَيْهِ وَرَأْسَهُ أَيْضًا!‏ إِلَّا أَنَّ صَبْرَ يَسُوعَ لَمْ يَنْفَدْ،‏ بَلْ شَرَحَ بِهُدُوءٍ أَهَمِّيَّةَ وَمَغْزَى مَا يَقُومُ بِهِ.‏ —‏ يو ١٣:‏​١-‏١٧‏.‏

٧،‏ ٨ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ ٱمْتَحَنَ بُطْرُسُ مُجَدَّدًا صَبْرَ يَسُوعَ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ ٱسْتَمَرَّ يَسُوعُ يُعْرِبُ عَنِ ٱللُّطْفِ وَٱلْغُفْرَانِ؟‏

٧ بُعَيْدَ ذٰلِكَ،‏ ٱمْتَحَنَ بُطْرُسُ مُجَدَّدًا صَبْرَ يَسُوعَ.‏ فَقَدْ أَخَذَ ٱلرُّسُلُ يَتَشَاجَرُونَ فِي أَيُّهُمْ هُوَ ٱلْأَعْظَمُ.‏ وَلَا بُدَّ أَنَّ بُطْرُسَ ٱشْتَرَكَ فِي هٰذَا ٱلتَّبَجُّحِ ٱلْمُخْزِي.‏ لِذَا قَوَّمَهُمْ يَسُوعُ بِلُطْفٍ،‏ حَتَّى إِنَّهُ مَدَحَهُمْ عَلَى ٱلْتِصَاقِهِمْ بِهِ بِأَمَانَةٍ.‏ لٰكِنَّهُ أَنْبَأَ أَنَّهُمْ سَيَتَخَلَّوْنَ عَنْهُ جَمِيعًا.‏ فَٱعْتَرَضَ بُطْرُسُ وَقَالَ إِنَّهُ سَيَلْتَصِقُ بِهِ وَلَوْ وَاجَهَ ٱلْمَوْتَ.‏ عِنْدَئِذٍ،‏ تَنَبَّأَ يَسُوعُ أَنَّ بُطْرُسَ،‏ بِخِلَافِ مَا زَعَمَ،‏ سَيُنْكِرُهُ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ عَيْنِهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ مَرَّتَيْنِ.‏ وَإِذَا بِهٰذَا ٱلرَّسُولِ يُخَطِّئُ سَيِّدَهُ وَيَدَّعِي أَيْضًا أَنَّهُ سَيُعْرِبُ عَنِ ٱلْأَمَانَةِ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ ٱلرُّسُلِ.‏ —‏ مت ٢٦:‏٣١-‏٣٥؛‏ مر ١٤:‏​٢٧-‏٣١؛‏ لو ٢٢:‏​٢٤-‏٢٨؛‏ يو ١٣:‏​٣٦-‏٣٨‏.‏

٨ فَهَلْ أَوْشَكَ يَسُوعُ إِذَّاكَ أَنْ يَفْقِدَ صَبْرَهُ عَلَيْهِ؟‏ فِي ٱلْوَاقِعِ،‏ ٱسْتَمَرَّ يَسُوعُ طِيلَةَ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ ٱلْعَصِيبِ يُرَكِّزُ عَلَى حَسَنَاتِ رُسُلِهِ ٱلنَّاقِصِينَ.‏ فَمَعَ أَنَّهُ عَرَفَ مُسْبَقًا أَنَّ بُطْرُسَ سَيَخْذُلُهُ،‏ قَالَ لَهُ:‏ «تَضَرَّعْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْلَا يَتَلَاشَى إِيمَانُكَ.‏ وَأَنْتَ مَتَى عُدْتَ،‏ قَوِّ إِخْوَتَكَ».‏ (‏لو ٢٢:‏٣٢‏)‏ وَهٰكَذَا أَظْهَرَ ثِقَتَهُ بِأَنَّ بُطْرُسَ سَيَتَعَافَى رُوحِيًّا وَيُعَاوِدُ خِدْمَتَهُ ٱلْأَمِينَةَ.‏ فَيَا لَهُ مِنْ إِعْرَابٍ عَظِيمٍ عَنِ ٱللُّطْفِ وَٱلْغُفْرَانِ!‏

٩،‏ ١٠ ‏(‏أ)‏ أَيُّ تَقْوِيمٍ ٱسْتَحَقَّهُ بُطْرُسُ فِي بُسْتَانِ جَتْسِيمَانِي؟‏ (‏ب)‏ بِمَ تُذَكِّرُنَا زَلَّاتُ بُطْرُسَ؟‏

٩ لَاحِقًا فِي بُسْتَانِ جَتْسِيمَانِي،‏ ٱحْتَاجَ بُطْرُسُ إِلَى ٱلتَّقْوِيمِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ.‏ فَقَدْ طَلَبَ يَسُوعُ مِنْهُ هُوَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَنْ يَبْقَوْا سَاهِرِينَ رَيْثَمَا يُصَلِّي.‏ فَيَسُوعُ كَانَ مُضْطَرِبًا عَاطِفِيًّا وَبِحَاجَةٍ إِلَى دَعْمِهِمْ وَمُسَانَدَتِهِمْ،‏ إِلَّا أَنَّ ٱلنُّعَاسَ غَلَبَهُمْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ قَالَ لَهُمْ بِتَعَاطُفٍ وَتَسَامُحٍ:‏ «إِنَّ ٱلرُّوحَ مُنْدَفِعٌ،‏ أَمَّا ٱلْجَسَدُ فَضَعِيفٌ».‏ —‏ مر ١٤:‏​٣٢-‏٤١‏.‏

١٠ وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى وَصَلَ رَعَاعٌ يَحْمِلُونَ مَشَاعِلَ وَسُيُوفًا وَهَرَاوَى.‏ وَفِي حِينِ تَطَلَّبَ هٰذَا ٱلْمَوْقِفُ ٱلدَّقِيقُ ٱلتَّصَرُّفَ بِفِطْنَةٍ وَحَذَرٍ،‏ ٱنْدَفَعَ بُطْرُسُ بِتَهَوُّرٍ فَٱسْتَلَّ ٱلسَّيْفَ وَقَطَعَ أُذُنَ مَلْخُسَ عَبْدِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ.‏ فَقَوَّمَهُ يَسُوعُ بِهُدُوءٍ وَشَفَى ٱلْعَبْدَ وَأَوْضَحَ لِمَ لَا يَنْبَغِي ٱللُّجُوءُ إِلَى ٱلْعُنْفِ،‏ رَاسِمًا مَبْدَأً يَسْتَرْشِدُ بِهِ أَتْبَاعُهُ حَتَّى هٰذَا ٱلْيَوْمِ.‏ (‏مت ٢٦:‏​٤٧-‏٥٥؛‏ لو ٢٢:‏​٤٧-‏٥١؛‏ يو ١٨:‏​١٠،‏ ١١‏)‏ لَقَدِ ٱرْتَكَبَ بُطْرُسُ حَتَّى تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ زَلَّاتٍ عَدِيدَةً.‏ وَهٰذَا يُذَكِّرُنَا أَنَّنَا كَثِيرًا مَا نُخْطِئُ نَحْنُ ٱلْبَشَرَ.‏ ‏(‏اقرأ يعقوب ٣:‏٢‏.‏‏)‏ فَمَنْ مِنَّا لَا يُعْوِزُهُ ٱلْغُفْرَانُ ٱلْإِلٰهِيُّ كُلَّ يَوْمٍ؟‏!‏ لٰكِنَّ لَيْلَةَ بُطْرُسَ لَمْ تَكُنْ قَدِ ٱنْتَهَتْ بَعْدُ،‏ فَٱلْآتِي كَانَ أَعْظَمَ.‏

أَسْوَأُ غَلْطَةٍ فِي حَيَاةِ بُطْرُسَ

١١،‏ ١٢ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ أَظْهَرَ بُطْرُسُ ٱلشَّجَاعَةَ بَعْدَ ٱعْتِقَالِ يَسُوعَ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ فَشِلَ بُطْرُسُ فِي بُرْهَانِ مَا ٱدَّعَاهُ فِي وَقْتٍ سَابِقٍ؟‏

١١ طَلَبَ يَسُوعُ مِنَ ٱلرَّعَاعِ أَنْ يَدَعُوا رُسُلَهُ يَذْهَبُونَ مَا دَامُوا يُفَتِّشُونَ عَنْهُ هُوَ.‏ وَفِيمَا رَاحُوا يُقَيِّدُونَهُ،‏ وَقَفَ بُطْرُسُ يَتَفَرَّجُ عَاجِزًا،‏ ثُمَّ فَرَّ هَارِبًا مِثْلَ رُفَقَائِهِ ٱلرُّسُلِ.‏

١٢ وَلٰكِنْ خِلَالَ هَرَبِهِ،‏ تَوَقَّفَ هُوَ وَيُوحَنَّا رُبَّمَا قُرْبَ بَيْتِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ٱلسَّابِقِ حَنَّانَ حَيْثُ أُخِذَ يَسُوعُ أَوَّلًا لِلِٱسْتِجْوَابِ.‏ وَعِنْدَمَا نُقِلَ مِنْ هُنَاكَ،‏ تَبِعَاهُ وَلٰكِنْ «عَنْ بُعْدٍ».‏ (‏مت ٢٦:‏٥٨؛‏ يو ١٨:‏​١٢،‏ ١٣‏)‏ لَمْ يَكُنْ بُطْرُسُ جَبَانًا،‏ فَٱللَّحَاقُ بِيَسُوعَ تَطَلَّبَ شَجَاعَةً كَبِيرَةً دُونَ شَكٍّ لِأَنَّ ٱلرَّعَاعَ كَانُوا مُسَلَّحِينَ وَهُوَ آذَى أَحَدَهُمْ لِتَوِّهِ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ لَمْ يُبَرْهِنْ فِي هٰذَا ٱلظَّرْفِ ٱلصَّعْبِ عَنِ ٱلْمَحَبَّةِ وَٱلْوَلَاءِ كَمَا ٱدَّعَى سَابِقًا حِينَ عَبَّرَ عَنِ ٱسْتِعْدَادِهِ لِلْمَوْتِ إِلَى جَانِبِ سَيِّدِهِ إِنْ لَزِمَ ٱلْأَمْرُ.‏ —‏ مر ١٤:‏٣١‏.‏

١٣ مَا هِيَ ٱلطَّرِيقَةُ ٱلصَّائِبَةُ ٱلْوَحِيدَةُ لِٱتِّبَاعِ ٱلْمَسِيحِ؟‏

١٣ عَلَى غِرَارِ بُطْرُسَ،‏ يَسْعَى كَثِيرُونَ ٱلْيَوْمَ إِلَى ٱتِّبَاعِ ٱلْمَسِيحِ «عَنْ بُعْدٍ»،‏ أَيْ فِي ٱلْخَفَاءِ وَدُونَ أَنْ يَلْفِتُوا ٱلْأَنْظَارَ.‏ وَلٰكِنْ كَمَا كَتَبَ بُطْرُسُ نَفْسُهُ لَاحِقًا،‏ إِنَّ ٱلطَّرِيقَةَ ٱلصَّائِبَةَ ٱلْوَحِيدَةَ لِٱتِّبَاعِ ٱلْمَسِيحِ هِيَ أَنْ نَلْتَصِقَ بِهِ إِلَى أَقْصَى حَدٍّ مُمْكِنٍ وَنَسِيرَ عَلَى خُطَاهُ فِي كُلِّ ٱلْمَجَالَاتِ بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنِ ٱلنَّتَائِجِ.‏ —‏ اقرأ ١ بطرس ٢:‏٢١‏.‏

١٤ كَيْفَ أَمْضَى بُطْرُسُ سَاعَاتِ ٱللَّيْلِ فِيمَا مُحَاكَمَةُ يَسُوعَ مُنْعَقِدَةٌ؟‏

١٤ تَتَبَّعَ بُطْرُسُ يَسُوعَ بِحَذَرٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى بَوَّابَةِ أَحَدِ أَفْخَمِ بُيُوتِ أُورُشَلِيمَ،‏ بَيْتِ قَيَافَا رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ ٱلَّذِي تَمَتَّعَ بِٱلثَّرَاءِ وَٱلنُّفُوذِ.‏ كَانَ لِهٰذِهِ ٱلْبُيُوتِ عَادَةً فِنَاءٌ فِي ٱلْوَسَطِ وَبَوَّابَةٌ أَمَامِيَّةٌ.‏ وَحِينَ بَلَغَ بُطْرُسُ ٱلْبَوَّابَةَ،‏ لَمْ يُسْمَحْ لَهُ بِٱجْتِيَازِهَا.‏ فَخَرَجَ يُوحَنَّا ٱلَّذِي كَانَ يَعْرِفُ رَئِيسَ ٱلْكَهَنَةِ وَكَلَّمَ ٱلْجَارِيَةَ لِتَسْمَحَ لَهُ بِٱلدُّخُولِ.‏ وَكَمَا يَبْدُو،‏ لَمْ يُلَازِمْ بُطْرُسُ يُوحَنَّا وَلَا حَاوَلَ أَنْ يَدْخُلَ ٱلْمَنْزِلَ لِيَقِفَ إِلَى جَانِبِ سَيِّدِهِ.‏ بَلْ بَقِيَ فِي ٱلْفِنَاءِ حَيْثُ كَانَ بَعْضُ ٱلْعَبِيدِ وَٱلْخَدَمِ مُتَحَلِّقِينَ حَوْلَ نَارٍ مُتَوَهِّجَةٍ يَتَّقُونَ بَرْدَ ٱللَّيْلِ ٱلْقَارِسَ وَيُرَاقِبُونَ ٱلدَّاخِلِينَ وَٱلْخَارِجِينَ ٱلَّذِينَ أَتَوْا لِيَشْهَدُوا زُورًا عَلَى يَسُوعَ فِي ٱلْمُحَاكَمَةِ ٱلْمُنْعَقِدَةِ فِي ٱلدَّاخِلِ.‏ —‏ مر ١٤:‏​٥٤-‏٥٧؛‏ يو ١٨:‏​١٥،‏ ١٦،‏ ١٨‏.‏

١٥،‏ ١٦ كَيْفَ تَمَّتْ نُبُوَّةُ يَسُوعَ أَنَّ بُطْرُسَ سَيُنْكِرُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟‏

١٥ عَلَى ضَوْءِ ٱلنَّارِ،‏ ٱسْتَطَاعَتِ ٱلْجَارِيَةُ ٱلَّتِي أَدْخَلَتْ بُطْرُسَ أَنْ تُمَيِّزَ مَلَامِحَهُ،‏ فَٱتَّهَمَتْهُ بِٱلْقَوْلِ:‏ «أَنْتَ أَيْضًا كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ ٱلْجَلِيلِيِّ!‏».‏ بَاغَتَ هٰذَا ٱلِٱتِّهَامُ بُطْرُسَ،‏ فَأَنْكَرَ مَعْرِفَتَهُ بِيَسُوعَ زَاعِمًا أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ مَا تَقُولُ.‏ ثُمَّ تَوَجَّهَ نَحْوَ ٱلرَّدْهَةِ ٱلَّتِي عِنْدَ ٱلْبَوَّابَةِ لِكَيْ يَتَوَارَى عَنِ ٱلْأَنْظَارِ،‏ لٰكِنَّ جَارِيَةً أُخْرَى رَأَتْهُ وَقَالَتْ هِيَ أَيْضًا:‏ «هٰذَا كَانَ مَعَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ».‏ فَأَقْسَمَ قَائِلًا:‏ «لَا أَعْرِفُ هٰذَا ٱلْإِنْسَانَ!‏».‏ (‏مت ٢٦:‏​٦٩-‏٧٢؛‏ مر ١٤:‏​٦٦-‏٦٨‏)‏ بِهٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ أَنْكَرَ سَيِّدَهُ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّانِيَةِ،‏ وَلَعَلَّهُ حِينَذَاكَ سَمِعَ صِيَاحَ ٱلدِّيكِ.‏ غَيْرَ أَنَّ ذِهْنَهُ كَانَ مُشَتَّتًا جِدًّا لِدَرَجَةِ أَنَّهُ لَمْ يَتَذَكَّرِ ٱلنُّبُوَّةَ ٱلَّتِي تَفَوَّهَ بِهَا يَسُوعُ قَبْلَ مُجَرَّدِ سَاعَاتٍ.‏

١٦ مَضَى بَعْضُ ٱلْوَقْتِ وَهُوَ يُحَاوِلُ يَائِسًا أَلَّا يَلْفِتَ ٱلِٱنْتِبَاهَ.‏ لٰكِنَّ بَعْضَ ٱلْوَاقِفِينَ فِي ٱلْفِنَاءِ ٱقْتَرَبُوا مِنْهُ،‏ وَكَانَ بَيْنَهُمْ نَسِيبٌ لِمَلْخُسَ،‏ ٱلْعَبْدِ ٱلَّذِي قَطَعَ أُذُنَهُ.‏ فَقَالَ لَهُ:‏ «أَمَا رَأَيْتُكَ فِي ٱلْبُسْتَانِ مَعَهُ؟‏».‏ عِنْدَئِذٍ لَمْ يَتَمَالَكْ بُطْرُسُ نَفْسَهُ وَأَرَادَ إِقْنَاعَهُمْ أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي ظَنِّهِمْ.‏ فَأَخَذَ يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ يَسُوعَ،‏ دَاعِيًا كَمَا يَتَّضِحُ أَنْ تَحِلَّ عَلَيْهِ ٱللَّعْنَةُ إِذَا كَانَ يَكْذِبُ.‏ وَهٰكَذَا أَنْكَرَ سَيِّدَهُ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّالِثَةِ.‏ وَمَا كَادَتِ ٱلْكَلِمَاتُ تَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ حَتَّى سَمِعَ ٱلدِّيكَ يَصِيحُ مَرَّةً ثَانِيَةً فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ.‏ —‏ يو ١٨:‏​٢٦،‏ ٢٧؛‏ مر ١٤:‏​٧١،‏ ٧٢‏.‏

‏«اِلْتَفَتَ ٱلرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ»‏

١٧،‏ ١٨ ‏(‏أ)‏ مَاذَا فَعَلَ بُطْرُسُ حِينَ أَدْرَكَ فَظَاعَةَ فَعْلَتِهِ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا رُبَّمَا خَطَرَ عَلَى بَالِ بُطْرُسَ؟‏

١٧ كَانَ يَسُوعُ قَدْ خَرَجَ لِتَوِّهِ إِلَى ٱلشُّرْفَةِ ٱلْمُطِلَّةِ عَلَى ٱلْفِنَاءِ حَيْثُ بُطْرُسُ وَاقِفٌ.‏ وَفِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ ٱلرَّهِيبَةِ تَلَاقَتْ أَعْيُنُهُمَا،‏ حَسْبَمَا يَرْوِي مَطْلَعُ ٱلْفَصْلِ.‏ فَلَمَعَتْ فِي رَأْسِ بُطْرُسَ فَظَاعَةُ فَعْلَتِهِ.‏ لَقَدْ خَذَلَ سَيِّدَهُ أَسْوَأَ خِذْلَانٍ.‏ فَتَرَكَ ٱلْفِنَاءَ تَسْحَقُهُ مَشَاعِرُ ٱلذَّنْبِ وَٱلْحُزْنِ.‏ وَمَضَى هَائِمًا فِي شَوَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ تَحْتَ ضَوْءِ ٱلْبَدْرِ ٱلَّذِي أَخَذَ يَنْحَدِرُ إِلَى مَخْدَعِهِ.‏ وَرَاحَ ٱلدَّمْعُ يَتَرَقْرَقُ فِي عَيْنَيْهِ فِيمَا ٱلصُّوَرُ تَتَسَارَعُ فِي مُخَيِّلَتِهِ،‏ حَتَّى ٱنْهَارَ بَاكِيًا بُكَاءً مُرًّا.‏ —‏ مر ١٤:‏٧٢؛‏ لو ٢٢:‏​٦١،‏ ٦٢‏.‏

١٨ عِنْدَمَا يَصْحُو ٱلْمَرْءُ مِنْ غَفْلَةٍ كَهٰذِهِ،‏ قَدْ تَسْتَحْوِذُ عَلَيْهِ ٱلْفِكْرَةُ أَنَّهُ تَجَاوَزَ كُلَّ حُدُودٍ وَمَا عَادَ يَسْتَحِقُّ ٱلْغُفْرَانَ.‏ وَرُبَّمَا هٰذَا مَا خَطَرَ عَلَى بَالِ بُطْرُسَ.‏ وَلٰكِنْ هَلْ كَانَ مُصِيبًا فِي تَفْكِيرِهِ؟‏

خَطَأٌ لَا يُغْتَفَرُ؟‏

١٩ كَيْفَ شَعَرَ بُطْرُسُ حِيَالَ فَعْلَتِهِ،‏ وَمَاذَا يَدُلُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لِلْيَأْسِ؟‏

١٩ لَا شَكَّ أَنَّ أَلَمًا فَاقَ ٱلتَّصَوُّرَ مَزَّقَ قَلْبَ بُطْرُسَ مَعَ بُزُوغِ ٱلْفَجْرِ وَتَوَالِي أَحْدَاثِ ٱلنَّهَارِ.‏ فَلَكَمْ نَدِمَ وَلَامَ نَفْسَهُ حِينَ فَارَقَ يَسُوعُ ٱلْحَيَاةَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ مِنْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ عَقِبَ سَاعَاتٍ مِنَ ٱلْعَذَابِ!‏ وَلَا بُدَّ أَنَّهُ قَاسَى مِنْ وَجَعِ ٱلضَّمِيرِ أَشَدَّهُ كُلَّمَا تَذَكَّرَ كَيْفَ زَادَ أَلَمًا عَلَى آلَامِ سَيِّدِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ حَيَاتِهِ كَإِنْسَانٍ.‏ وَمَعَ أَنَّ حُزْنًا عَمِيقًا ٱكْتَنَفَ فُؤَادَهُ،‏ لَمْ يَدَعِ ٱلْيَأْسَ يَسْتَبِدُّ بِهِ،‏ لِأَنَّهُ مَا لَبِثَ أَنْ عَادَ إِلَى ٱلِٱجْتِمَاعِ بِإِخْوَتِهِ ٱلرُّوحِيِّينَ.‏ (‏لو ٢٤:‏٣٣‏)‏ فَلَا رَيْبَ أَنَّ ٱلرُّسُلَ جَمِيعًا كَانُوا نَادِمِينَ عَلَى تَصَرُّفِهِمْ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ ٱلْمُرِيعَةِ،‏ فَمَنَحُوا ٱلدَّعْمَ وَاحِدُهُمْ لِلْآخَرِ.‏

٢٠ مَاذَا نَتَعَلَّمُ مِنَ ٱلْقَرَارِ ٱلْحَكِيمِ ٱلَّذِي ٱتَّخَذَهُ بُطْرُسُ؟‏

٢٠ نَجِدُ بُطْرُسَ هُنَا يَتَّخِذُ وَاحِدًا مِنْ أَحْكَمِ ٱلْقَرَارَاتِ فِي حَيَاتِهِ.‏ فَعِنْدَمَا يَسْقُطُ خَادِمُ ٱللهِ،‏ لَا تَهُمُّ خُطُورَةُ خَطَئِهِ بِقَدْرِ مَا تَهُمُّ قُوَّةُ تَصْمِيمِهِ عَلَى ٱلْقِيَامِ مُجَدَّدًا وَتَصْحِيحِ ٱلْأُمُورِ.‏ ‏(‏اقرإ الامثال ٢٤:‏١٦‏.‏‏)‏ فَقَدْ أَعْرَبَ بُطْرُسُ عَنْ إِيمَانٍ أَصِيلٍ حِينَ عَاوَدَ ٱلِٱجْتِمَاعَ بِإِخْوَتِهِ مَعَ أَنَّ مَعْنَوِيَّاتِهِ كَانَتْ فِي ٱلْحَضِيضِ.‏ فَيَوْمَ يُثْقِلُ ٱلْحُزْنُ أَوِ ٱلنَّدَمُ كَاهِلَنَا،‏ يَكُونُ ٱلِٱعْتِزَالُ خِيَارًا مُغْرِيًا لٰكِنَّهُ يَنْطَوِي عَلَى مَخَاطِرَ جَمَّةٍ.‏ (‏ام ١٨:‏١‏)‏ فَٱلْمَسْلَكُ ٱلْحَكِيمُ هُوَ مُلَازَمَةُ إِخْوَتِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱسْتِعَادَةُ قُوَّتِنَا ٱلرُّوحِيَّةِ.‏ —‏ عب ١٠:‏​٢٤،‏ ٢٥‏.‏

٢١ مَاذَا سَمِعَ بُطْرُسُ وَهُوَ مُجْتَمِعٌ مَعَ إِخْوَتِهِ ٱلرُّوحِيِّينَ؟‏

٢١ بِمَا أَنَّ بُطْرُسَ تَوَاجَدَ مَعَ إِخْوَتِهِ ٱلرُّوحِيِّينَ،‏ سَمِعَ ٱلْخَبَرَ ٱلصَّاعِقَ عَنِ ٱخْتِفَاءِ جَسَدِ يَسُوعَ.‏ فَرَكَضَ هُوَ وَيُوحَنَّا إِلَى ٱلْقَبْرِ ٱلَّذِي خُتِمَ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ.‏ فَوَصَلَ أَوَّلًا يُوحَنَّا ٱلَّذِي كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ.‏ وَمَعَ أَنَّهُ وَجَدَ ٱلْمَدْخَلَ مَفْتُوحًا،‏ تَرَدَّدَ فِي ٱلدُّخُولِ.‏ أَمَّا بُطْرُسُ ٱلَّذِي وَصَلَ مَقْطُوعَ ٱلنَّفَسِ فَدَخَلَ ٱلْقَبْرَ عَلَى ٱلْفَوْرِ.‏ وَإِذَا بِهِ فَارِغٌ!‏ —‏ يو ٢٠:‏​٣-‏٩‏.‏

٢٢ لِمَ تَلَاشَى كُلُّ حُزْنٍ وَشَكٍّ فِي قَلْبِ بُطْرُسَ؟‏

٢٢ هَلْ صَدَّقَ بُطْرُسُ أَنَّ يَسُوعَ قَامَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ؟‏ فِي ٱلْبِدَايَةِ لَا،‏ مَعَ أَنَّ نِسَاءً أَمِينَاتٍ أَخْبَرْنَ كَيْفَ ظَهَرَ لَهُنَّ مَلَاكَانِ وَأَعْلَنَا قِيَامَةَ يَسُوعَ.‏ (‏لو ٢٣:‏٥٥–‏٢٤:‏١١‏)‏ وَلٰكِنْ بِحُلُولِ نِهَايَةِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ،‏ كَانَ قَدْ تَلَاشَى كُلُّ حُزْنٍ وَشَكٍّ فِي قَلْبِ بُطْرُسَ.‏ فَيَسُوعُ عَادَ إِلَى ٱلْحَيَاةِ كَائِنًا رُوحَانِيًّا قَدِيرًا.‏ وَقَدْ تَرَاءَى لِجَمِيعِ رُسُلِهِ.‏ إِلَّا أَنَّهُ قَامَ أَوَّلًا بِأَمْرٍ خُصُوصِيٍّ.‏ قَالَ ٱلرُّسُلُ يَوْمَذَاكَ:‏ «بِٱلْحَقِيقَةِ أُقِيمَ ٱلرَّبُّ وَتَرَاءَى لِسِمْعَانَ!‏».‏ (‏لو ٢٤:‏٣٤‏)‏ كَمَا كَتَبَ ٱلرَّسُولُ بُولُسُ لَاحِقًا عَنْ ذٰلِكَ ٱلنَّهَارِ ٱلْمُمَيَّزِ قَائِلًا إِنَّ يَسُوعَ «تَرَاءَى لِصَفَا ثُمَّ لِلِٱثْنَيْ عَشَرَ».‏ (‏١ كو ١٥:‏٥‏)‏ وَصَفَا وَسِمْعَانُ لَيْسَا سِوَى ٱسْمَيْنِ آخَرَيْنِ لِبُطْرُسَ.‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ يَسُوعَ تَرَاءَى لَهُ عَلَى ٱنْفِرَادٍ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ.‏

اِحْتَاجَ بُطْرُسُ حَاجَةً مَاسَّةً إِلَى غُفْرَانِ سَيِّدِهِ،‏ وَمَنْ مِنَّا لَا يُعْوِزُهُ ٱلْغُفْرَانُ كُلَّ يَوْمٍ؟‏!‏

٢٣ لِمَ يَحْسُنُ بِٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلَّذِينَ يَقْتَرِفُونَ خَطِيَّةً مَا أَنْ يَتَذَكَّرُوا قِصَّةَ بُطْرُسَ؟‏

٢٣ إِنَّ تَفَاصِيلَ ذٰلِكَ ٱللِّقَاءِ ٱلْمُؤَثِّرِ بَيْنَ يَسُوعَ وَبُطْرُسَ ظَلَّتْ سِرًّا بَيْنَهُمَا،‏ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ لَا يُطْلِعُنَا عَلَيْهَا.‏ وَلٰكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ بُطْرُسَ ٱخْتَلَجَ آنَذَاكَ فَرَحًا وَتَأَثُّرًا.‏ فَسَيِّدُهُ ٱلْحَبِيبُ عَلَى قَيْدِ ٱلْحَيَاةِ،‏ وَلَدَيْهِ ٱلْفُرْصَةُ ٱلْآنَ أَنْ يُعَبِّرَ لَهُ عَنْ أَسَفِهِ وَتَوْبَتِهِ.‏ لَقَدْ كَانَ نَيْلُ ٱلْغُفْرَانِ غَايَةَ أَمَانِيهِ.‏ وَلَا رَيْبَ أَنَّ يَسُوعَ غَفَرَ لَهُ لَا بَلْ غَمَرَهُ بِٱلْغُفْرَانِ.‏ وَٱلْيَوْمَ،‏ يَحْسُنُ بِٱلْمَسِيحِيِّينَ أَنْ يَتَذَكَّرُوا قِصَّةَ بُطْرُسَ إِذَا مَا ٱقْتَرَفُوا خَطِيَّةً مَا.‏ فَبِمَا أَنَّ يَسُوعَ عَكَسَ كَامِلًا صُورَةَ أَبِيهِ ٱلَّذِي «يُكْثِرُ ٱلْغُفْرَانَ»،‏ فَلَا نَظُنَّ أَلْبَتَّةَ أَنَّ غُفْرَانَ يَهْوَهَ أَمْرٌ مُحَالٌ.‏ —‏ اش ٥٥:‏٧‏.‏

دَلِيلٌ عَلَى غُفْرَانِ يَسُوعَ ٱلْكَامِلِ

٢٤،‏ ٢٥ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ نَصِفُ ٱللَّيْلَةَ ٱلَّتِي أَمْضَاهَا بُطْرُسُ يَتَصَيَّدُ فِي بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ بُطْرُسَ حِيَالَ ٱلْعَجِيبَةِ ٱلَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ فِي ٱلصَّبَاحِ ٱلتَّالِي؟‏

٢٤ طَلَبَ يَسُوعُ مِنْ رُسُلِهِ أَنْ يُوَافُوهُ إِلَى ٱلْجَلِيلِ.‏ وَحِينَ وَصَلُوا،‏ قَرَّرَ بُطْرُسُ ٱلذَّهَابَ لِلصَّيْدِ فِي بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ وَرَافَقَهُ عَدَدٌ مِنَ ٱلرُّسُلِ.‏ وَهُنَاكَ أَخَذَ يَسْتَرْجِعُ ذِكْرَيَاتٍ حَمِيمَةً.‏ فَهُوَ أَمْضَى فِي هٰذِهِ ٱلْبُحَيْرَةِ مُعْظَمَ حَيَاتِهِ ٱلْبَاكِرَةِ.‏ وَكُلُّ مَا يَمُتُّ إِلَى هٰذَا ٱلْمَكَانِ مَأْلُوفٌ لَدَيْهِ:‏ صَرِيرُ ٱلْمَرْكَبِ،‏ تَلَاطُمُ ٱلْأَمْوَاجِ،‏ وَمَلْمَسُ ٱلشَّبَكَةِ ٱلْخَشِنُ بَيْنَ يَدَيْهِ —‏ جَمِيعُهَا تَبُثُّ فِيهِ شُعُورًا بِٱلرَّاحَةِ.‏ وَلٰكِنْ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ،‏ لَمْ يَصْطَدِ ٱلرُّسُلُ شَيْئًا.‏ —‏ مت ٢٦:‏٣٢؛‏ يو ٢١:‏​١-‏٣‏.‏

قَفَزَ بُطْرُسُ فِي ٱلْمَاءِ وَسَبَحَ إِلَى ٱلْبَرِّ

٢٥ وَعِنْدَ ٱلْفَجْرِ،‏ نَادَاهُمْ شَخْصٌ مِنَ ٱلشَّاطِئِ وَحَثَّهُمْ أَنْ يُلْقُوا ٱلشِّبَاكَ إِلَى ٱلْجَانِبِ ٱلْآخَرِ مِنَ ٱلْمَرْكَبِ.‏ فَأَلْقَوْهَا وَٱلْتَقَطُوا ١٥٣ سَمَكَةً!‏ وَمَا إِنْ عَرَفَ بُطْرُسُ هُوِيَّةَ ذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ حَتَّى قَفَزَ فِي ٱلْمَاءِ وَسَبَحَ إِلَى ٱلْبَرِّ.‏ وَعَلَى ٱلشَّاطِئِ،‏ دَعَا يَسُوعُ أَصْدِقَاءَهُ ٱلْأُمَنَاءَ إِلَى وَجْبَةِ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ عَلَى ٱلْجَمْرِ.‏ ثُمَّ رَكَّزَ ٱنْتِبَاهَهُ عَلَى بُطْرُسَ.‏ —‏ يو ٢١:‏​٤-‏١٤‏.‏

٢٦،‏ ٢٧ ‏(‏أ)‏ أَيُّ فُرْصَةٍ مَنَحَهَا يَسُوعُ لِبُطْرُسَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ أَكَّدَ يَسُوعُ غُفْرَانَهُ ٱلْكَامِلَ لِبُطْرُسَ؟‏

٢٦ سَأَلَ يَسُوعُ بُطْرُسَ إِذَا كَانَ يُحِبُّهُ «أَكْثَرَ مِنْ هٰؤُلَاءِ»،‏ مُشِيرًا كَمَا يَتَّضِحُ إِلَى ٱلصَّيْدِ ٱلْوَفِيرِ ٱلَّذِي أَمْسَكُوهُ.‏ فَهَلْ كَانَ بُطْرُسُ يَشْعُرُ فِي قَلْبِهِ أَنَّ مَحَبَّتَهُ لِمِهْنَةِ صَيْدِ ٱلسَّمَكِ تُزَاحِمُ مَحَبَّتَهُ لِيَسُوعَ؟‏ لَقَدْ أَنْكَرَ بُطْرُسُ سَيِّدَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،‏ وَٱلْآنَ مَنَحَهُ يَسُوعُ ٱلْفُرْصَةَ أَنْ يُؤَكِّدَ مَحَبَّتَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى مَسْمَعِ رِفَاقِهِ.‏ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُ كَيْفَ يُظْهِرُ هٰذِهِ ٱلْمَحَبَّةَ:‏ بِوَضْعِ ٱلْخِدْمَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ أَوَّلًا وَبِإِطْعَامِ وَتَقْوِيَةِ وَرِعَايَةِ خِرَافِ ٱلْمَسِيحِ،‏ أَيْ أَتْبَاعِهِ ٱلْأُمَنَاءِ.‏ —‏ لو ٢٢:‏٣٢؛‏ يو ٢١:‏​١٥-‏١٧‏.‏

٢٧ وَهٰكَذَا،‏ أَكَّدَ أَنَّ هٰذَا ٱلرَّسُولَ لَا يَزَالُ نَافِعًا لَهُ وَلِأَبِيهِ.‏ فَكَانَ سَيَلْعَبُ دَوْرًا مُهِمًّا فِي ٱلْجَمَاعَةِ تَحْتَ تَوْجِيهِ ٱلْمَسِيحِ.‏ فَيَا لَهُ مِنْ بُرْهَانٍ جَلِيٍّ عَلَى غُفْرَانِ يَسُوعَ ٱلْكَامِلِ!‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ رَحْمَتَهُ هٰذِهِ مَسَّتْ بُطْرُسَ فِي ٱلصَّمِيمِ وَدَفَعَتْهُ إِلَى ٱلتَّعَلُّمِ مِنْ أَخْطَائِهِ.‏

٢٨ كَيْفَ بَرْهَنَ بُطْرُسُ أَنَّهُ ٱسْمٌ عَلَى مُسَمًّى؟‏

٢٨ نَهَضَ بُطْرُسُ بِتَعْيِينِهِ بِكُلِّ أَمَانَةٍ طَوَالَ سَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ.‏ فَقَوَّى إِخْوَتَهُ حَسْبَمَا أَوْصَاهُ يَسُوعُ فِي ٱللَّيْلَةِ ٱلْأَخِيرَةِ مِنْ حَيَاتِهِ.‏ وَعَمِلَ بِلُطْفٍ وَصَبْرٍ عَلَى رِعَايَةِ وَإِطْعَامِ أَتْبَاعِ ٱلْمَسِيحِ.‏ فِعْلًا،‏ بَرْهَنَ سِمْعَانُ ٱلَّذِي أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَسُوعُ ٱسْمَ بُطْرُسَ،‏ أَيْ صَخْرَةٍ،‏ أَنَّهُ ٱسْمٌ عَلَى مُسَمًّى إِذْ تَحَلَّى بِٱلثَّبَاتِ وَٱلْقُوَّةِ وَزَوَّدَ ٱلدَّعْمَ لِلْجَمَاعَةِ.‏ وَنَجِدُ أَدِلَّةً وَافِرَةً عَلَى ذٰلِكَ فِي ٱلرِّسَالَتَيْنِ ٱلرَّقِيقَتَيْنِ ٱللَّتَيْنِ كَتَبَهُمَا وَأَصْبَحَتَا جُزْءًا مُهِمًّا مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ.‏ وَتُظْهِرُ هَاتَانِ ٱلرِّسَالَتَانِ أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَنْسَ قَطُّ ٱلدَّرْسَ فِي ٱلْغُفْرَانِ ٱلَّذِي تَعَلَّمَهُ مِنْ يَسُوعَ.‏ —‏ اقرأ ١ بطرس ٣:‏​٨،‏ ٩؛‏ ٤:‏٨‏.‏

٢٩ كَيْفَ نَقْتَدِي بِإِيمَانِ بُطْرُسَ وَرَحْمَةِ سَيِّدِهِ؟‏

٢٩ فَهَلَّا نَتَعَلَّمُ نَحْنُ أَيْضًا هٰذَا ٱلدَّرْسَ فِي ٱلْغُفْرَانِ؟‏ هَلْ نَسْأَلُ ٱللهَ يَوْمِيًّا أَنْ يُسَامِحَنَا عَلَى خَطَايَانَا ٱلْكَثِيرَةِ؟‏ أَنُصَدِّقُ أَنَّ غُفْرَانَهُ لَيْسَ مُسْتَحِيلًا وَنُؤْمِنُ بِقُدْرَتِهِ عَلَى تَطْهِيرِنَا؟‏ وَهَلْ نَغْفِرُ بِدَوْرِنَا لِلْآخَرِينَ؟‏ إِنْ نَفْعَلْ ذٰلِكَ،‏ نَقْتَدِ بِإِيمَانِ بُطْرُسَ وَرَحْمَةِ سَيِّدِهِ.‏