الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اَلْفَصْلُ ٱلْأَوَّلُ

‏«يتكلمُ بعد،‏ مع انه مات»‏

‏«يتكلمُ بعد،‏ مع انه مات»‏

١ كَيْفَ مُنِعَ آدَمُ وَحَوَّاءُ وَذُرِّيَّتُهُمَا مِنْ دُخُولِ جَنَّةِ عَدْنٍ،‏ وَمَاذَا كَانَ جُلُّ مَا يَتَمَنَّاهُ هَابِيلُ؟‏

أَخَذَ هَابِيلُ يُرَاقِبُ قَطِيعَهُ يَرْعَى بِسَلَامٍ عَلَى سَفْحِ ٱلتَّلِّ.‏ وَلَعَلَّهُ شَخَصَ بِبَصَرِهِ بَعِيدًا مُحَاوِلًا أَنْ يَلْمَحَ وَمِيضًا بَاهِتًا.‏ يَعْرِفُ هَابِيلُ أَنَّ هٰذَا ٱلْوَمِيضَ مُنْبَعِثٌ مِنْ سَيْفٍ مُلْتَهِبٍ يَتَقَلَّبُ عَلَى ٱلدَّوَامِ قَاطِعًا ٱلطَّرِيقَ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ.‏ فَوَالِدَاهُ عَاشَا فِي هٰذَا ٱلْفِرْدَوْسِ ذَاتَ يَوْمٍ،‏ وَلٰكِنْ مَا عَادَ يَحِقُّ لَهُمَا أَوْ لِذُرِّيَّتِهِمَا أَنْ يَطَأُوا عَتَبَتَهُ.‏ تَخَيَّلْ نَسِيمَ ٱلْمَسَاءِ ٱلْعَلِيلَ يَعْبَثُ بِشَعْرِ هَابِيلَ وَهُوَ يَرْفَعُ عَيْنَيْهِ إِلَى ٱلْعَلَاءِ مُتَفَكِّرًا فِي ٱللهِ وَمُتَسَائِلًا:‏ ‹تُرَى هَلْ تُرْدَمُ يَوْمًا ٱلْهُوَّةُ بَيْنَ ٱلْخَالِقِ وَٱلْبَشَرِ؟‏›.‏ كَانَ ذٰلِكَ جُلَّ مَا يَتَمَنَّاهُ.‏

٢-‏٤ كَيْفَ يَتَكَلَّمُ هَابِيلُ مَعَنَا ٱلْيَوْمَ؟‏

٢ هَلْ فِي وِسْعِ هَابِيلَ ٱلَّذِي غَيَّبَهُ ٱلْمَوْتُ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَنَا ٱلْيَوْمَ؟‏ قَدْ تَعْتَبِرُ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةَ مِنْ رَابِعِ ٱلْمُسْتَحِيلَاتِ.‏ فَٱبْنُ آدَمَ ٱلثَّانِي هٰذَا مَاتَ مُنْذُ ٦٠ قَرْنًا تَقْرِيبًا وَبَلِيَتْ عِظَامُهُ فِي قَدِيمِ ٱلزَّمَانِ.‏ وَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يُعَلِّمُنَا أَنَّ ٱلْأَمْوَاتَ «لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا».‏ (‏جا ٩:‏​٥،‏ ١٠‏)‏ أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱلْأَسْفَارَ ٱلْمُقَدَّسَةَ لَا تُورِدُ كَلِمَةً وَاحِدَةً عَلَى لِسَانِهِ.‏ فَكَيْفَ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَنَا؟‏

٣ أُوحِيَ إِلَى ٱلرَّسُولِ بُولُسَ أَنْ يَكْتُبَ:‏ «بِهِ يَتَكَلَّمُ [هَابِيلُ] بَعْدُ،‏ مَعَ أَنَّهُ مَاتَ».‏ ‏(‏اقرإ العبرانيين ١١:‏٤‏.‏‏)‏ فَبِمَ يَتَكَلَّمُ هَابِيلُ؟‏ نَقْرَأُ فِي بِدَايَةِ ٱلْعَدَدِ ٤ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِٱلْإِيمَانِ.‏ فَهُوَ أَوَّلُ إِنْسَانٍ عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ نَمَّى هٰذِهِ ٱلصِّفَةَ ٱلرَّائِعَةَ.‏ وَكَانَ إِيمَانُهُ مِنَ ٱلْقُوَّةِ بِمَكَانٍ بِحَيْثُ لَا يَزَالُ نَافِعًا لَنَا حَتَّى هٰذَا ٱلْيَوْمِ.‏ وَحِينَ نَتَعَلَّمُ مِنْ مِثَالِهِ وَنَسْعَى إِلَى ٱلِٱقْتِدَاءِ بِهِ،‏ يَتَكَلَّمُ مَعَنَا،‏ إِذَا جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ،‏ وَيُسَاعِدُنَا عَلَى تَقْوِيَةِ إِيمَانِنَا.‏

٤ وَلٰكِنْ كَيْفَ عَسَانَا نَتَعَلَّمُ عَنْ هَابِيلَ وَإِيمَانِهِ فِيمَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ لَا يَذْكُرُ عَنْهُ سِوَى ٱلشَّيْءِ ٱلْيَسِيرِ؟‏ لِنَرَ مَعًا.‏

يُولَدُ عِنْدَ «تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ»‏

٥ مَا مَعْنَى عِبَارَةِ يَسُوعَ ٱلَّتِي قَرَنَ فِيهَا «تَأْسِيسَ ٱلْعَالَمِ» بِهَابِيلَ؟‏ (‏اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.‏)‏

٥ أَبْصَرَ هَابِيلُ ٱلنُّورَ وَٱلْبَشَرِيَّةُ لَا تَزَالُ فِي مَهْدِهَا.‏ فَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ،‏ رَبَطَ يَسُوعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ «تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ».‏ ‏(‏اقرأ لوقا ١١:‏​٥٠،‏ ٥١‏.‏‏)‏ وَكَمَا يَتَّضِحُ،‏ قَصَدَ ٱلْعَالَمَ ٱلْمُؤَلَّفَ مِنْ بَشَرٍ قَدْ يَنَالُونَ فُرْصَةَ ٱلِٱفْتِدَاءِ وَٱلتَّحَرُّرِ مِنَ ٱلْخَطِيَّةِ.‏ فَفِي حِينِ أَنَّ هَابِيلَ هُوَ رَابِعُ إِنْسَانٍ مَشَى عَلَى ٱلْأَرْضِ،‏ كَانَ عَلَى مَا يَظْهَرُ أَوَّلَ مَنْ رَآهُ ٱللهُ مُسْتَحِقًّا ٱلْفِدَاءَ.‏ * مِنْ هُنَا،‏ يَبْدُو جَلِيًّا أَنَّ هَابِيلَ لَمْ يَتَرَعْرَعْ وَسْطَ ظُرُوفٍ مِثَالِيَّةٍ.‏

٦ مَاذَا يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ عَنْ وَالِدَيْ هَابِيلَ؟‏

٦ مَعَ أَنَّ ٱلْبَشَرِيَّةَ كَانَتْ فِي طَوْرِ ٱلطُّفُولَةِ،‏ خَيَّمَتْ عَلَيْهَا سَحَابَةٌ مِنَ ٱلْحُزْنِ وَٱلتَّعَاسَةِ.‏ فَوَالِدَا هَابِيلَ،‏ آدَمُ وَحَوَّاءُ،‏ ٱللَّذَانِ تَمَتَّعَا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ بِٱلْجَمَالِ وَٱلنَّشَاطِ وَٱلْقُوَّةِ،‏ ٱرْتَكَبَا عَمْدًا غَلْطَةً فَظِيعَةً.‏ فَقَدْ كَانَا يَحْظَيَانِ بِٱلْكَمَالِ وَبِرَجَاءِ ٱلْعَيْشِ إِلَى ٱلْأَبَدِ،‏ غَيْرَ أَنَّهُمَا تَمَرَّدَا عَلَى يَهْوَهَ ٱللهِ وَطُرِدَا مِنْ مَوْطِنِهِمَا ٱلْفِرْدَوْسِيِّ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ.‏ فَهُمَا أَعْطَيَا ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِرَغَبَاتِهِمَا،‏ حَتَّى إِنَّهُمَا دَاسَا عَلَى حَاجَاتِ ذُرِّيَّتِهِمَا،‏ فَخَسِرَا ٱلْكَمَالَ وَضَاعَ ٱلْأَمَلُ بِٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ.‏ —‏ تك ٢:‏١٥–‏٣:‏٢٤‏.‏

٧،‏ ٨ أَيَّةُ كَلِمَاتٍ تَفَوَّهَتْ بِهَا حَوَّاءُ حِينَ وَلَدَتْ قَايِينَ،‏ وَمَاذَا رُبَّمَا خَطَرَ عَلَى بَالِهَا؟‏

٧ مَا إِنْ طُرِحَ آدَمُ وَحَوَّاءُ خَارِجَ ٱلْجَنَّةِ حَتَّى بَدَأَتْ حَيَاةُ ٱلتَّعَبِ وَٱلشَّقَاءِ.‏ مَعَ ذٰلِكَ،‏ عِنْدَمَا وُلِدَ طِفْلُهُمَا ٱلْأَوَّلُ قَايِينُ،‏ ٱسْمٌ مَعْنَاهُ «ٱلَّذِي أُنْجِبَ»،‏ هَتَفَتْ حَوَّاءُ قَائِلَةً:‏ «رُزِقْتُ رَجُلًا بِعَوْنِ يَهْوَهَ».‏ فَلَرُبَّمَا خَطَرَ عَلَى بَالِهَا ٱلْوَعْدُ ٱلَّذِي قَطَعَهُ يَهْوَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ،‏ مُنْبِئًا عَنِ ٱمْرَأَةٍ سَتُنْجِبُ ‹نَسْلًا›،‏ أَوْ ذُرِّيَّةً،‏ يَقْضِي يَوْمًا مَا عَلَى ٱلْكَائِنِ ٱلشِّرِّيرِ ٱلَّذِي أَضَلَّهَا هِيَ وَآدَمَ.‏ (‏تك ٣:‏١٥؛‏ ٤:‏١‏)‏ فَهَلْ ظَنَّتْ حَوَّاءُ أَنَّهَا هِيَ ٱلْمَرْأَةُ ٱلْمُنْبَأُ بِهَا وَأَنَّ قَايِينَ هُوَ ‹ٱلنَّسْلُ› ٱلْمَوْعُودُ بِهِ؟‏

٨ إِذَا دَارَتْ هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةُ فِي خَلَدِهَا،‏ فَكَمْ كَانَتْ مُخْطِئَةً!‏ وَفِي حَالِ زَرَعَتْ هِيَ وَآدَمُ هٰذِهِ ٱلْأَفْكَارَ فِي رَأْسِ قَايِينَ وَهُوَ يَكْبُرُ،‏ فَلَا بُدَّ أَنَّهُمَا عَزَّزَا صِفَةَ ٱلْكِبْرِيَاءِ فِي شَخْصِيَّتِهِ.‏ بَعْدَ فَتْرَةٍ مِنَ ٱلْوَقْتِ،‏ أَنْجَبَتْ حَوَّاءُ ٱبْنًا ثَانِيًا.‏ لٰكِنَّنَا لَا نَقْرَأُ عَنْهُ كَلِمَاتٍ تَنِمُّ عَنِ ٱلْإِثَارَةِ وَٱلْفَرَحِ كَٱلَّتِي قِيلَتْ فِي قَايِينَ.‏ فَقَدْ دَعَيَاهُ هَابِيلَ ٱلَّذِي رُبَّمَا يَعْنِي «نَفْخَةً» أَوْ «بَاطِلًا».‏ (‏تك ٤:‏٢‏)‏ فَهَلْ يَدُلُّ ٱخْتِيَارُهُمَا لِهٰذَا ٱلِٱسْمِ أَنَّهُمَا لَمْ يُعَلِّقَا آمَالًا كَبِيرَةً عَلَى هَابِيلَ كَمَا عَلَى أَخِيهِ قَايِينَ؟‏ رُبَّمَا،‏ لٰكِنَّنَا لَا نَعْلَمُ ذٰلِكَ يَقِينًا.‏

٩ مَاذَا يُمْكِنُ لِلْوَالِدِينَ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْ أَبَوَيْنَا ٱلْأَوَّلَيْنِ؟‏

٩ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِينَ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا ٱلْكَثِيرَ مِنْ أَبَوَيْنَا ٱلْأَوَّلَيْنِ.‏ فَلْيَسْأَلْ كُلٌّ مِنْهُمْ نَفْسَهُ:‏ ‹هَلْ أُغَذِّي بِأَقْوَالِي وَتَصَرُّفَاتِي كِبْرِيَاءَ أَوْلَادِي وَمَطَامِحَهُمْ وَمُيُولَهُمُ ٱلْأَنَانِيَّةَ،‏ أَمْ إِنِّي أُعَلِّمُهُمْ أَنْ يُحِبُّوا يَهْوَهَ وَيَبْنُوا صَدَاقَةً مَعَهُ؟‏›.‏ مِنَ ٱلْمُحْزِنِ أَنَّ ٱلْأَبَوَيْنِ ٱلْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَنْهَضَا بِمَسْؤُولِيَّتِهِمَا كَمَا يَجِبُ.‏ لٰكِنَّ هٰذَا لَا يَعْنِي أَنَّ ذُرِّيَّتَهُمَا وَصَلَتْ إِلَى طَرِيقٍ مَسْدُودٍ.‏

كَيْفَ نَمَّى هَابِيلُ ٱلْإِيمَانَ؟‏

١٠،‏ ١١ بِمَ ٱشْتَغَلَ كُلٌّ مِنْ قَايِينَ وَهَابِيلَ،‏ وَأَيُّ صِفَةٍ نَمَّاهَا هَابِيلُ؟‏

١٠ فِيمَا كَبُرَ قَايِينُ وَهَابِيلُ،‏ يَظْهَرُ أَنَّ آدَمَ دَرَّبَهُمَا عَلَى تَأْدِيَةِ ٱلْأَعْمَالِ ٱللَّازِمَةِ لِإِعَالَةِ ٱلْعَائِلَةِ.‏ فَٱشْتَغَلَ قَايِينُ بِٱلزِّرَاعَةِ،‏ فِي حِينِ عَمِلَ هَابِيلُ رَاعِيَ غَنَمٍ.‏

١١ غَيْرَ أَنَّ هَابِيلَ تَمَيَّزَ بِأَمْرٍ مُهِمٍّ لِلْغَايَةِ.‏ فَعَلَى مَرِّ ٱلسِّنِينَ،‏ نَمَّى صِفَةً رَائِعَةً كَتَبَ عَنْهَا بُولُسُ لَاحِقًا:‏ اَلْإِيمَانَ.‏ وَلٰكِنْ كَيْفَ بَنَى إِيمَانَهُ بِيَهْوَهَ،‏ هُوَ ٱلَّذِي ٱفْتَقَرَ إِلَى مِثَالٍ بَشَرِيٍّ يَحْتَذِي بِهِ؟‏ لِنَتَفَحَّصْ ثَلَاثَ رَكَائِزَ يُرَجَّحُ أَنَّ إِيمَانَهُ تَأَسَّسَ عَلَيْهَا.‏

١٢،‏ ١٣ كَيْفَ سَاهَمَتْ خَلِيقَةُ يَهْوَهَ فِي تَرْسِيخِ إِيمَانِ هَابِيلَ؟‏

١٢ خَلِيقَةُ يَهْوَهَ.‏ مَعَ أَنَّ يَهْوَهَ لَعَنَ ٱلْأَرْضَ فَصَارَتْ تُنْبِتُ شَوْكًا وَحَسَكًا يُعَرْقِلُ عَمَلَ ٱلزِّرَاعَةِ،‏ ظَلَّتْ تُغْدِقُ عَلَى عَائِلَةِ هَابِيلَ ٱلطَّعَامَ ٱلدَّاعِمَ لِحَيَاتِهَا.‏ أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱللهَ لَمْ يَلْعَنِ ٱلْحَيَوَانَاتِ مِنْ بَهَائِمَ وَطُيُورٍ وَأَسْمَاكٍ وَغَيْرِهَا،‏ وَلَا لَعَنَ ٱلْجِبَالَ وَٱلْبُحَيْرَاتِ وَٱلْأَنْهَارَ وَٱلْبِحَارَ،‏ وَلَا ٱلسَّمَاءَ وَٱلْغُيُومَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ.‏ فَأَيْنَمَا كَانَ هَابِيلُ يُجِيلُ بَصَرَهُ،‏ رَأَى ٱلْبَرَاهِينَ عَلَى غِنَى مَحَبَّةِ وَحِكْمَةِ وَصَلَاحِ يَهْوَهَ ٱلَّذِي خَلَقَ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ.‏ ‏(‏اقرأ روما ١:‏٢٠‏.‏‏)‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَأَمُّلَهُ بِعَيْنِ ٱلتَّقْدِيرِ فِي مَصْنُوعَاتِ خَالِقِهِ سَاهَمَ فِي تَرْسِيخِ إِيمَانِهِ.‏

سَاهَمَتِ ٱلْخَلِيقَةُ فِي تَرْسِيخِ إِيمَانِ هَابِيلَ بِخَالِقٍ مُحِبٍّ

١٣ مِنَ ٱلْمُؤَكَّدِ أَيْضًا أَنَّ هَابِيلَ صَرَفَ ٱلْوَقْتَ يُفَكِّرُ فِي حَاجَتِهِ إِلَى إِلٰهِهِ يَهْوَهَ.‏ تَخَيَّلْ كَيْفَ كَانَ يُعْنَى بِقَطِيعِهِ.‏ فَٱلرَّاعِي قَدِيمًا ٱعْتَادَ أَنْ يَمْشِيَ مَسَافَاتٍ طَوِيلَةً وَهُوَ يَقُودُ غَنَمَهُ ٱلطَّيِّعَةَ عَبْرَ ٱلتِّلَالِ وَٱلْوِدْيَانِ وَٱلْأَنْهَارِ بَاحِثًا لَهَا عَنْ مَرَاعٍ خَصِيبَةٍ وَمِيَاهٍ مُنْعِشَةٍ وَمَرَابِضَ آمِنَةٍ.‏ فَمِنْ بَيْنِ مَخْلُوقَاتِ ٱللهِ جَمْعَاءَ،‏ تَبْدُو ٱلْخِرَافُ أَكْثَرَهَا ضَعْفًا،‏ وَكَأَنَّهَا خُلِقَتْ بِحَاجَةٍ إِلَى إِرْشَادِ وَحِمَايَةِ ٱلْإِنْسَانِ.‏ فَهَلْ أَحَسَّ هَابِيلُ هُوَ أَيْضًا بِٱلْحَاجَةِ إِلَى إِرْشَادِ وَحِمَايَةِ وَٱهْتِمَامِ إِلٰهِهِ ٱلَّذِي يَفُوقُ مُطْلَقَ إِنْسَانٍ فِي ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْقُوَّةِ؟‏ لَا رَيْبَ أَنَّهُ أَفْضَى بِأَفْكَارٍ كَهٰذِهِ إِلَى يَهْوَهَ فِي ٱلصَّلَاةِ،‏ فَظَلَّ يَنْمُو فِي ٱلْإِيمَانِ.‏

١٤،‏ ١٥ أَيَّةُ حَقَائِقَ تَتَعَلَّقُ بِنُبُوَّاتِ يَهْوَهَ تَأَمَّلَ فِيهَا هَابِيلُ؟‏

١٤ نُبُوَّاتُ يَهْوَهَ.‏ أَغْلَبُ ٱلظَّنِّ أَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ قَصَّا عَلَى ٱبْنَيْهِمَا ٱلْأَحْدَاثَ ٱلَّتِي أَدَّتْ إِلَى طَرْدِهِمَا مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ.‏ فَكَانَتْ لَدَى هَابِيلَ حَقَائِقُ كَثِيرَةٌ لِيَتَأَمَّلَ فِيهَا.‏

١٥ مَثَلًا،‏ قَالَ يَهْوَهُ إِنَّ ٱلْأَرْضَ سَتُلْعَنُ جَرَّاءَ خَطِيَّةِ آدَمَ وَحَوَّاءَ.‏ وَقَدْ رَأَى هَابِيلُ بِوُضُوحٍ كَيْفَ تَمَّمَ ٱلشَّوْكُ وَٱلْحَسَكُ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ.‏ أَنْبَأَ يَهْوَهُ كَذٰلِكَ أَنَّ حَوَّاءَ سَتُعَانِي مَشَقَّةً خِلَالَ ٱلْحَمْلِ وَٱلْوِلَادَةِ.‏ وَفِيمَا رَأَى هَابِيلُ أُمَّهُ تَتَأَلَّمُ وَتَتَعَذَّبُ وَهِيَ تُنْجِبُ،‏ تَبَرْهَنَتْ لَهُ دُونَ شَكٍّ صِحَّةُ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّةِ.‏ كَمَا أَنْبَأَ يَهْوَهُ أَنَّ حَوَّاءَ سَتَشْعُرُ بِحَاجَةٍ غَيْرِ سَوِيَّةٍ إِلَى حُبِّ وَٱهْتِمَامِ آدَمَ ٱلَّذِي كَانَ بِدَوْرِهِ سَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهَا،‏ وَهِيَ حَقِيقَةٌ مُؤْسِفَةٌ شَهِدَهَا هَابِيلُ بِأُمِّ عَيْنَيْهِ.‏ وَبِتَحَقُّقِ كُلِّ هٰذِهِ ٱلنُّبُوَّاتِ،‏ أَدْرَكَ أَنَّ كَلِمَةَ يَهْوَهَ جَدِيرَةٌ تَمَامًا بِٱلثَّقَةِ.‏ وَهٰكَذَا،‏ ٱمْتَلَكَ أَسْبَابًا وَجِيهَةً دَفَعَتْهُ إِلَى ٱلْإِيمَانِ بِوَعْدِهِ عَنْ «نَسْلٍ»،‏ أَوْ ذُرِّيَّةٍ،‏ سَيُصَوِّبُ يَوْمًا مَا ٱلْأَخْطَاءَ ٱلَّتِي نَبَتَتْ فِي عَدْنٍ.‏ —‏ تك ٣:‏​١٥-‏١٩‏.‏

١٦،‏ ١٧ مَاذَا رُبَّمَا تَعَلَّمَ هَابِيلُ مِنَ ٱلْكَرُوبِيمِ؟‏

١٦ خُدَّامُ يَهْوَهَ.‏ صَحِيحٌ أَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ ضِمْنَ عَائِلَةِ هَابِيلَ رَسَمَ لَهُ مِثَالًا حَسَنًا،‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْبَشَرَ مَا كَانُوا ٱلْمَخْلُوقَاتِ ٱلذَّكِيَّةَ ٱلْوَحِيدَةَ عَلَى ٱلْأَرْضِ آنَذَاكَ.‏ فَعِنْدَمَا طُرِدَ آدَمُ وَحَوَّاءُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ،‏ حَرَصَ يَهْوَهُ أَلَّا يَدْخُلَا هُمَا أَوْ ذُرِّيَّتُهُمَا هٰذَا ٱلْفِرْدَوْسَ ٱلْأَرْضِيَّ.‏ وَلِحِرَاسَةِ مَدْخَلِهِ،‏ أَقَامَ ٱلْكَرُوبِيمَ،‏ مَلَائِكَةً رَفِيعَةَ ٱلْمُسْتَوَى،‏ فَضْلًا عَنْ لَهِيبِ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ عَلَى ٱلدَّوَامِ.‏ —‏ اقرإ التكوين ٣:‏٢٤‏.‏

١٧ تَخَيَّلْ مَا أَحَسَّ بِهِ هَابِيلُ وَهُوَ يُرَاقِبُ هٰؤُلَاءِ ٱلْكَرُوبِيمَ فِي صِبَاهُ.‏ فَٱلْأَجْسَادُ ٱلْبَشَرِيَّةُ ٱلَّتِي ٱتَّخَذُوهَا أَوْحَتْ حَتْمًا بِقُوَّةٍ هَائِلَةٍ.‏ وَ ‹ٱلسَّيْفُ› ٱلْمُشْتَعِلُ وَٱلْمُتَقَلِّبُ عَلَى مَدَارِ ٱلسَّاعَةِ أَوْقَعَ أَيْضًا ٱلرَّهْبَةَ فِي ٱلنَّفْسِ.‏ وَلٰكِنْ هَلْ حَدَثَ أَنْ سَئِمَ ٱلْكَرُوبِيمُ عَمَلَهُمْ وَتَخَلَّوْا عَنِ ٱلْمُهِمَّةِ ٱلْمُوكَلَةِ إِلَيْهِمْ؟‏ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ.‏ فَٱلْأَيَّامُ وَٱلسِّنُونَ وَٱلْعُقُودُ تَوَالَتْ وَهٰذِهِ ٱلْمَخْلُوقَاتُ ٱلذَّكِيَّةُ ٱلْجَبَّارَةُ تُلَازِمُ مَكَانَهَا.‏ وَهٰكَذَا تَعَلَّمَ هَابِيلُ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَخْدُمُ يَهْوَهَ بِإِخْلَاصٍ وَٱسْتِقَامَةٍ.‏ فَقَدِ ٱسْتَطَاعَ أَنْ يَرَى فِي هٰؤُلَاءِ ٱلْكَرُوبِيمِ وَلَاءً وَطَاعَةً لِيَهْوَهَ لَمْ يَلْمُسْهُمَا فِي عَائِلَتِهِ.‏ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هٰذَا ٱلْمِثَالَ ٱلْمَلَائِكِيَّ وَطَّدَ إِيمَانَهُ.‏

رَأَى هَابِيلُ طَوَالَ حَيَاتِهِ أَنَّ ٱلْكَرُوبِيمَ كَانُوا خُدَّامًا أُمَنَاءَ وَطَائِعِينَ لِيَهْوَهَ

١٨ أَيَّةُ أَسْبَابٍ عَدِيدَةٍ لَدَيْنَا تَحْفِزُنَا عَلَى تَثْبِيتِ إِيمَانِنَا ٱلْيَوْمَ؟‏

١٨ فِعْلًا،‏ ٱزْدَادَ إِيمَانُ هَابِيلَ قُوَّةً بِتَأَمُّلِهِ فِي كُلِّ مَا كَشَفَهُ يَهْوَهُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ خِلَالِ خَلِيقَتِهِ،‏ نُبُوَّاتِهِ،‏ وَأَمْثِلَةِ خُدَّامِهِ ٱلْمَلَائِكِيِّينَ.‏ أَفَلَا نَتَعَلَّمُ ٱلْكَثِيرَ مِنْ مِثَالِهِ؟‏ أَلَا يَطْمَئِنُّ ٱلشُّبَّانُ وَٱلشَّابَّاتُ خُصُوصًا حِينَ يَعْرِفُونَ أَنَّ بِمَقْدُورِهِمْ تَنْمِيَةَ إِيمَانٍ أَصِيلٍ بِيَهْوَهَ ٱللهِ،‏ بِصَرْفِ ٱلنَّظَرِ عَنْ مَوْقِفِ أَفْرَادِ عَائِلَتِهِمْ؟‏ لِنَتَذَكَّرْ دَوْمًا أَنَّ لَدَيْنَا أَسْبَابًا عَدِيدَةً تَحْفِزُنَا عَلَى تَثْبِيتِ إِيمَانِنَا ٱلْيَوْمَ.‏ فَرَوَائِعُ ٱلْخَلِيقَةِ تُحِيطُ بِنَا،‏ ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ بِكَامِلِهِ فِي مُتَنَاوَلِ يَدِنَا،‏ وَأَشْخَاصٌ كَثِيرُونَ هُمْ أَمْثِلَةٌ لَنَا فِي ٱلْإِيمَانِ.‏

مَا ٱلسِّرُّ فِي ذَبِيحَةِ هَابِيلَ؟‏

١٩ أَيُّ حَقِيقَةٍ مُهِمَّةٍ لِلْغَايَةِ أَدْرَكَهَا هَابِيلُ مَعَ مُرُورِ ٱلْوَقْتِ؟‏

١٩ فِيمَا نَمَا إِيمَانُ هَابِيلَ بِيَهْوَهَ،‏ رَغِبَ أَنْ يُتَرْجِمَ إِيمَانَهُ هٰذَا إِلَى أَعْمَالٍ.‏ وَلٰكِنْ مَاذَا فِي طَاقَةِ ٱلْإِنْسَانِ أَنْ يُقَدِّمَ لِخَالِقِ ٱلْكَوْنِ بِأَسْرِهِ؟‏ فَٱللهُ لَا تُعْوِزُهُ أَيَّةُ عَطِيَّةٍ أَوْ مُسَاعَدَةٍ مِنَ ٱلْبَشَرِ.‏ غَيْرَ أَنَّ هَابِيلَ أَدْرَكَ مَعَ مُرُورِ ٱلْوَقْتِ حَقِيقَةً مُهِمَّةً لِلْغَايَةِ:‏ فِي وِسْعِهِ أَنْ يَحْظَى بِرِضَى أَبِيهِ ٱلْمُحِبِّ شَرْطَ أَنْ يُقَدِّمَ لَهُ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ بِدَافِعٍ صَائِبٍ.‏

قَدَّمَ هَابِيلُ قُرْبَانَهُ بِدَافِعِ ٱلْإِيمَانِ،‏ أَمَّا قَايِينُ فَلَا

٢٠،‏ ٢١ مَاذَا قَرَّبَ كُلٌّ مِنْ قَايِينَ وَهَابِيلَ لِيَهْوَهَ،‏ وَكَيْفَ كَانَ رَدُّ فِعْلِهِ؟‏

٢٠ قَرَّرَ هَابِيلُ أَنْ يُقَدِّمَ قُرْبَانًا مِنْ قَطِيعِهِ.‏ فَٱخْتَارَ أَبْكَارَ ٱلْغَنَمِ،‏ أَيْ أَحْسَنَهَا،‏ وَمَا بَدَا لَهُ أَفْضَلَ أَجْزَاءِ ٱلذَّبِيحَةِ.‏ قَايِينُ أَيْضًا رَغِبَ فِي نَيْلِ بَرَكَةِ ٱللهِ وَٱسْتِحْسَانِهِ،‏ فَهَيَّأَ قُرْبَانًا مِنْ جَنَى زَرْعِهِ.‏ لٰكِنَّ دَافِعَهُ كَانَ مُخْتَلِفًا.‏ وَبَانَ هٰذَا ٱلِٱخْتِلَافُ حِينَ قَدَّمَ هُوَ وَأَخُوهُ قُرْبَانَيْهِمَا.‏

٢١ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ٱبْنَيْ آدَمَ كِلَيْهِمَا ٱسْتَخْدَمَا مَذْبَحًا وَنَارًا عِنْدَ تَقْرِيبِ تَقْدِمَتَيْهِمَا،‏ وَلَعَلَّهُمَا قَامَا بِهٰذِهِ ٱلْخُطْوَةِ عَلَى مَرْأًى مِنَ ٱلْكَرُوبِيمِ ٱلَّذِينَ كَانُوا مُمَثِّلِي يَهْوَهَ ٱلْوَحِيدِينَ عَلَى ٱلْأَرْضِ آنَذَاكَ.‏ فَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ يَهْوَهَ؟‏ نَقْرَأُ:‏ «نَظَرَ يَهْوَهُ بِٱسْتِحْسَانٍ إِلَى هَابِيلَ وَقُرْبَانِهِ».‏ (‏تك ٤:‏٤‏)‏ إِلَّا أَنَّ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ لَا يَذْكُرُ كَيْفَ بَيَّنَ ٱللهُ ٱسْتِحْسَانَهُ.‏

٢٢،‏ ٢٣ لِمَ نَظَرَ يَهْوَهُ بِٱسْتِحْسَانٍ إِلَى تَقْدِمَةِ هَابِيلَ؟‏

٢٢ وَلٰكِنْ لِمَ خَصَّ ٱللهُ هَابِيلَ بِرِضَاهُ؟‏ هَلْ كَانَ ٱلسَّبَبُ هُوَ ٱلتَّقْدِمَةَ بِحَدِّ ذَاتِهَا؟‏ فَهَابِيلُ قَرَّبَ حَيَوَانَاتٍ حَيَّةً وَسَفَكَ دَمَهَا ٱلثَّمِينَ ٱلَّذِي يُمَثِّلُ حَيَاتَهَا.‏ فَهَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَدْرَكَ كَمْ قَيِّمَةٌ هِيَ ذَبِيحَتُهُ؟‏ بَعْدَ قُرُونٍ مِنْ زَمَنِ هَابِيلَ،‏ أَوْصَى ٱللهُ بِتَقْدِيمِ حَمَلٍ لَا شَائِبَةَ فِيهِ رَمْزًا إِلَى ذَبِيحَةِ ٱبْنِهِ ٱلْكَامِلِ،‏ «حَمَلِ ٱللهِ»،‏ ٱلَّذِي كَانَ دَمُهُ ٱلْبَرِيءُ سَيُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ ٱلْبَشَرِ.‏ (‏يو ١:‏٢٩؛‏ خر ١٢:‏​٥-‏٧‏)‏ وَلٰكِنْ لَا بُدَّ أَنَّ هَابِيلَ لَمْ يَعْرِفْ أَوْ يَفْهَمْ آنَذَاكَ مُعْظَمَ هٰذِهِ ٱلْحَقَائِقِ.‏

٢٣ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ،‏ ٱلْأَمْرُ ٱلْيَقِينُ أَنَّ هَابِيلَ قَرَّبَ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ.‏ وَيَهْوَهُ لَمْ يَنْظُرْ بِٱسْتِحْسَانٍ إِلَى تَقْدِمَتِهِ فَحَسْبُ،‏ بَلْ إِلَيْهِ هُوَ أَيْضًا.‏ فَقَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ لِأَنَّهُ أَحَبَّ يَهْوَهَ وَآمَنَ بِهِ إِيمَانًا أَصِيلًا.‏

٢٤ ‏(‏أ)‏ لِمَ لَمْ يَكُنِ ٱلْعَيْبُ فِي تَقْدِمَةِ قَايِينَ بِحَدِّ ذَاتِهَا؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ يُشْبِهُ قَايِينُ ٱلْكَثِيرِينَ فِي أَيَّامِنَا؟‏

٢٤ بِٱلْمُقَابِلِ،‏ «لَمْ يَنْظُرْ [يَهْوَهُ] بِٱسْتِحْسَانٍ إِلَى قَايِينَ وَقُرْبَانِهِ».‏ (‏تك ٤:‏٥‏)‏ وَلَيْسَ ٱلسَّبَبُ أَنَّ قُرْبَانَهُ كَانَ مَعِيبًا،‏ فَشَرِيعَةُ ٱللهِ سَمَحَتْ لَاحِقًا بِتَقْرِيبِ تَقْدِمَةٍ مِنْ غَلَّةِ ٱلْأَرْضِ.‏ (‏لا ٦:‏​١٤،‏ ١٥‏)‏ لٰكِنَّ ٱلْكِتَابَ ٱلْمُقَدَّسَ يَقُولُ إِنَّ «أَعْمَالَهُ كَانَتْ شِرِّيرَةً».‏ ‏(‏اقرأ ١ يوحنا ٣:‏١٢‏.‏‏)‏ فَعَلَى غِرَارِ ٱلْكَثِيرِينَ فِي أَيَّامِنَا،‏ ظَنَّ كَمَا يَظْهَرُ أَنْ لَا ضَيْرَ فِي عِبَادَةِ ٱللهِ عِبَادَةً شَكْلِيَّةً.‏ وَسُرْعَانَ مَا بَيَّنَتْ تَصَرُّفَاتُهُ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ يَهْوَهَ وَلَا يُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانًا حَقِيقِيًّا.‏

٢٥،‏ ٢٦ أَيُّ تَحْذِيرٍ أَعْطَاهُ يَهْوَهُ لِقَايِينَ،‏ وَهَلْ أَصْغَى إِلَى كَلَامِ إِلٰهِهِ؟‏

٢٥ وَهَلْ سَعَى قَايِينُ إِلَى ٱلِٱتِّعَاظِ بِمِثَالِ هَابِيلَ حِينَ رَأَى أَنَّهُ لَمْ يَفُزْ بِرِضَى يَهْوَهَ؟‏ كَلَّا،‏ بَلِ ٱمْتَلَأَ حِقْدًا عَلَى أَخِيهِ.‏ وَقَدْ مَيَّزَ يَهْوَهُ ٱلْمَشَاعِرَ ٱلَّتِي ٱخْتَلَجَتْ فِي قَلْبِهِ،‏ فَحَاوَلَ أَنْ يُحَاجَّهُ بِصَبْرٍ وَحَذَّرَهُ لِئَلَّا يُودِيَ بِهِ مَسْلَكُهُ هٰذَا إِلَى ٱرْتِكَابِ خَطِيَّةٍ جَسِيمَةٍ.‏ وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ ‹يُرْفَعَ›،‏ أَيْ أَنْ يَنْعَمَ بِرِضَاهُ،‏ شَرِيطَةَ أَنْ يُغَيِّرَ طُرُقَهُ.‏ —‏ تك ٤:‏​٦،‏ ٧‏.‏

٢٦ لٰكِنَّ قَايِينَ ضَرَبَ بِتَحْذِيرِ ٱللهِ عَرْضَ ٱلْحَائِطِ.‏ فَقَدْ طَلَبَ مِنْ أَخِيهِ ٱلْأَصْغَرِ ذِي ٱلنِّيَّةِ ٱلْحَسَنَةِ أَنْ يُرَافِقَهُ إِلَى ٱلْحَقْلِ.‏ وَهُنَاكَ،‏ قَامَ عَلَيْهِ وَأَرْدَاهُ قَتِيلًا.‏ (‏تك ٤:‏٨‏)‏ وَعَلَيْهِ،‏ يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ هَابِيلَ أَصْبَحَ أَوَّلَ شَهِيدٍ،‏ أَيْ أَوَّلَ ضَحِيَّةٍ لِلِٱضْطِهَادِ ٱلدِّينِيِّ.‏ وَلٰكِنْ هَلْ طُوِيَتْ صَفْحَةُ هٰذَا ٱلرَّجُلِ ٱلْأَمِينِ؟‏

٢٧ ‏(‏أ)‏ لِمَ نَحْنُ وَاثِقُونَ أَنَّ هَابِيلَ سَيَقُومُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَ لِنُلَاقِيَ هَابِيلَ يَوْمًا مِنَ ٱلْأَيَّامِ؟‏

٢٧ لَقَدْ صَرَخَ دَمُ هَابِيلَ مَجَازِيًّا إِلَى يَهْوَهَ طَالِبًا ٱلثَّأْرَ،‏ أَيْ إِقَامَةَ ٱلْعَدْلِ.‏ وَبِٱلْفِعْلِ،‏ أَقَامَ ٱللهُ ٱلْعَدْلَ مُنْزِلًا ٱلْعِقَابَ بِقَايِينَ ٱلشِّرِّيرِ عَلَى جَرِيمَتِهِ.‏ (‏تك ٤:‏​٩-‏١٢‏)‏ لٰكِنَّ ٱلْأَهَمَّ أَنَّ هَابِيلَ يَتَكَلَّمُ مَعَنَا ٱلْيَوْمَ،‏ إِذَا جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ،‏ مِنْ خِلَالِ إِيمَانِهِ ٱلْمِثَالِيِّ.‏ فَمَعَ أَنَّ حَيَاتَهُ كَانَتْ قَصِيرَةً،‏ رُبَّمَا ١٠٠ سَنَةٍ تَقْرِيبًا،‏ مُقَارَنَةً بِحَيَاةِ ٱلنَّاسِ فِي تِلْكَ ٱلْحِقْبَةِ،‏ فَقَدِ ٱسْتَغَلَّهَا أَحْسَنَ ٱسْتِغْلَالٍ فِي خِدْمَةِ يَهْوَهَ.‏ وَهُوَ مَاتَ عَالِمًا أَنَّهُ يَحْظَى بِمَحَبَّةِ وَرِضَى أَبِيهِ ٱلسَّمَاوِيِّ.‏ (‏عب ١١:‏٤‏)‏ لِذَا نَحْنُ وَاثِقُونَ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ فِي ذَاكِرَةِ يَهْوَهَ غَيْرِ ٱلْمَحْدُودَةِ بِٱنْتِظَارِ أَنْ يَقُومَ إِلَى ٱلْحَيَاةِ عَلَى أَرْضٍ فِرْدَوْسِيَّةٍ.‏ (‏يو ٥:‏​٢٨،‏ ٢٩‏)‏ فَهَلْ تَوَدُّ مُلَاقَاتَهُ هُنَاكَ؟‏ صَمِّمْ إِذًا أَنْ تُصْغِيَ إِلَيْهِ وَتَقْتَدِيَ بِإِيمَانِهِ ٱلرَّائِعِ.‏

^ ‎الفقرة 5‏ تَتَضَمَّنُ عِبَارَةُ «تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ» فِكْرَةَ «ٱلْبَذْرِ»،‏ إِشَارَةً إِلَى إِنْجَابِ ٱلذُّرِّيَّةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ ٱلْبَاكِرَةِ.‏ وَلٰكِنْ لِمَ قَرَنَ يَسُوعُ «تَأْسِيسَ ٱلْعَالَمِ» بِهَابِيلَ لَا بِقَايِينَ ٱلَّذِي كَانَ بِدَايَةَ هٰذِهِ ٱلذُّرِّيَّةِ؟‏ لِأَنَّ قَرَارَاتِ قَايِينَ وَتَصَرُّفَاتِهِ ٱعْتُبِرَتْ تَمَرُّدًا عَمْدِيًّا عَلَى يَهْوَهَ ٱللهِ.‏ لِذَا مِنَ ٱلْمَنْطِقِيِّ ٱلِٱسْتِنْتَاجُ أَنَّهُ لَا يَسْتَأْهِلُ ٱلْقِيَامَةَ وَٱلْفِدَاءَ،‏ شَأْنُهُ فِي ذٰلِكَ شَأْنُ وَالِدَيْهِ.‏