الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اَلْفَصْلُ ٱلرَّابِعَ عَشَرَ

تعلَّمَ درسا في الرحمة

تعلَّمَ درسا في الرحمة

١ أَيُّ رِحْلَةٍ كَانَتْ تَنْتَظِرُ يُونَانَ،‏ وَكَيْفَ شَعَرَ حِيَالَ ٱلْوُجْهَةِ ٱلَّتِي كَانَ يَقْصِدُهَا؟‏

كَانَ لَدَى يُونَانَ مُتَّسَعٌ مِنَ ٱلْوَقْتِ لِلتَّفْكِيرِ.‏ فَأَمَامَهُ رِحْلَةٌ طَوِيلَةٌ تَسْتَغْرِقُ نَحْوَ شَهْرٍ أَوْ رُبَّمَا أَكْثَرَ يَقْطَعُ خِلَالَهَا مَا يَزِيدُ عَلَى ثَمَانِمِئَةِ كِيلُومِتْرٍ سَيْرًا عَلَى ٱلْأَقْدَامِ.‏ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ،‏ وَجَبَ أَنْ يَخْتَارَ بَيْنَ ٱلطُّرُقَاتِ ٱلْمُخْتَصَرَةِ أَوِ ٱلْأَطْوَلِ وَٱلْأَكْثَرِ أَمَانًا،‏ ثُمَّ يَشُقَّ طَرِيقَهُ عَبْرَ عَدَدٍ لَا يُحْصَى مِنَ ٱلْوُدْيَانِ وَٱلدُّرُوبِ ٱلْجَبَلِيَّةِ.‏ وَيُرَجَّحُ أَنَّهُ كَانَ سَيَلُفُّ حَوْلَ ٱلصَّحْرَاءِ ٱلسُّورِيَّةِ ٱلْوَسِيعَةِ،‏ يَخُوضُ ٱلْأَنْهُرَ ٱلْفَيَّاضَةَ كَنَهْرِ ٱلْفُرَاتِ ٱلْعَظِيمِ،‏ وَيَبِيتُ بَيْنَ ٱلْغُرَبَاءِ فِي مُدُنِ وَقُرَى أَرَامَ وَبِلَادِ مَا بَيْنَ ٱلنَّهْرَيْنِ وَأَشُّورَ.‏ وَكُلَّمَا بَزَغَ فَجْرُ يَوْمٍ جَدِيدٍ،‏ قَوِيَ شُعُورُهُ بِٱلْخَوْفِ مِنَ ٱلْوُجْهَةِ ٱلَّتِي يَقْصِدُهَا،‏ مَدِينَةِ نِينَوَى ٱلَّتِي رَاحَ يَقْتَرِبُ مِنْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا مَعَ كُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا.‏

٢ كَيْفَ عَلَّمَ يَهْوَهُ يُونَانَ أَنْ يَقْبَلَ ٱلتَّعْيِينَ ٱلَّذِي أَسْنَدَهُ إِلَيْهِ؟‏

٢ وَلٰكِنْ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ،‏ صَمَّمَ يُونَانُ أَلَّا يَتَرَاجَعَ وَيَهْرُبَ مِنْ تَعْيِينِهِ كَمَا فَعَلَ مِنْ قَبْلُ.‏ فَكَمَا رَأَيْنَا فِي ٱلْفَصْلِ ٱلسَّابِقِ،‏ عَلَّمَهُ يَهْوَهُ بِصَبْرٍ دَرْسًا لَنْ يَنْسَاهُ حِينَ أَرْسَلَ عَاصِفَةً هَوْجَاءَ فِي ٱلْبَحْرِ وَأَنْقَذَهُ عَجَائِبِيًّا بِوَاسِطَةِ سَمَكَةٍ ضَخْمَةٍ قَذَفَتْهُ سَالِمًا إِلَى ٱلشَّاطِئِ بَعْدَمَا بَقِيَ فِي جَوْفِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.‏ فَمَلَأَهُ مَا حَدَثَ بِٱلرَّهْبَةِ وَٱلْمَهَابَةِ وَصَارَ أَكْثَرَ تَوَاضُعًا وَطَاعَةً.‏ —‏ يونان،‏ الاصحاحان ١،‏ ٢‏.‏

٣ أَيُّ صِفَةٍ أَظْهَرَهَا يَهْوَهُ لِيُونَانَ،‏ وَمَا هُوَ ٱلسُّؤَالُ ٱلَّذِي يَنْشَأُ؟‏

٣ نَتِيجَةَ ذٰلِكَ،‏ حِينَ طَلَبَ يَهْوَهُ مِنْ يُونَانَ مُجَدَّدًا أَنْ يَذْهَبَ إِلَى نِينَوَى،‏ أَطَاعَ ٱلنَّبِيُّ أَمْرَهُ وَٱنْطَلَقَ فِي رِحْلَةٍ طَوِيلَةٍ نَحْوَ ٱلشَّرْقِ.‏ ‏(‏اقرأ يونان ٣:‏​١-‏٣‏.‏‏)‏ وَلٰكِنْ هَلْ كَانَ قَدْ سَمَحَ لِتَأْدِيبِ يَهْوَهَ أَنْ يُغَيِّرَ شَخْصِيَّتَهُ تَغْيِيرًا جَذْرِيًّا؟‏ مَثَلًا،‏ رَحَمَهُ يَهْوَهُ لَمَّا أَنْقَذَهُ مِنَ ٱلْغَرَقِ،‏ ٱمْتَنَعَ عَنْ مُعَاقَبَتِهِ عَلَى عِصْيَانِهِ،‏ وَمَنَحَهُ فُرْصَةً أُخْرَى لِيَقُومَ بِتَعْيِينِهِ.‏ فَهَلْ تَعَلَّمَ ٱلنَّبِيُّ أَنْ يَرْحَمَ ٱلْآخَرِينَ؟‏ لَيْسَ سَهْلًا عَلَى ٱلْبَشَرِ ٱلنَّاقِصِينَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا إِظْهَارَ ٱلرَّحْمَةِ.‏ فَلْنَرَ مَعًا أَيَّةُ عِبَرٍ نَسْتَخْلِصُهَا مِنْ قِصَّةِ يُونَانَ.‏

رِسَالَةُ دَيْنُونَةٍ تُسْفِرُ عَنْ نَتِيجَةٍ غَيْرِ مُتَوَقَّعَةٍ

٤،‏ ٥ لِمَ أَشَارَ يَهْوَهُ إِلَى نِينَوَى بِأَنَّهَا «ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ»،‏ وَمَاذَا يُعَلِّمُنَا ذٰلِكَ عَنْهُ؟‏

٤ لَمْ يَتَطَلَّعْ يُونَانُ إِلَى نِينَوَى مِنْ مِنْظَارِ يَهْوَهَ.‏ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَقُولُ:‏ ‏«كَانَتْ نِينَوَى مَدِينَةً عَظِيمَةً عِنْدَ ٱللهِ».‏ (‏يون ٣:‏٣‏)‏ وَيُورِدُ يُونَانُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَوْلَ يَهْوَهَ عَنْ نِينَوَى إِنَّهَا «ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ».‏ (‏يون ١:‏٢؛‏ ٣:‏٢؛‏ ٤:‏١١‏)‏ فَلِمَ كَانَتْ عَظِيمَةً أَوْ مُهِمَّةً فِي عَيْنَيِ ٱللهِ؟‏

٥ نِينَوَى مَدِينَةٌ عَرِيقَةٌ فِي ٱلْقِدَمِ،‏ فَهِيَ بَيْنَ أُولَى ٱلْمُدُنِ ٱلَّتِي أَسَّسَهَا نِمْرُودُ بَعْدَ ٱلطُّوفَانِ.‏ وَقَدِ ٱمْتَازَتْ بِمِسَاحَتِهَا ٱلشَّاسِعَةِ إِذْ ضَمَّتْ كَمَا يَتَّضِحُ مُدُنًا أُخْرَى عَدِيدَةً،‏ فَكَانَ عَلَى ٱلْمَرْءِ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَيْ يَقْطَعَهَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى أُخْرَى.‏ (‏تك ١٠:‏١١؛‏ يون ٣:‏٣‏)‏ وَهِيَ أَيْضًا مَدِينَةٌ مَهِيبَةٌ ٱزْدَانَتْ بِٱلْمَعَابِدِ ٱلْفَخْمَةِ وَٱلْأَسْوَارِ ٱلضَّخْمَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ ٱلصُّرُوحِ ٱلْعَظِيمَةِ.‏ لٰكِنَّ أَيًّا مِنْ هٰذِهِ ٱلْمَزَايَا لَمْ يَجْعَلْهَا مُهِمَّةً فِي نَظَرِ يَهْوَهَ ٱللهِ،‏ فَمَا هَمَّهُ هُوَ ٱلشَّعْبُ.‏ لَقَدْ كَانَ عَدَدُ سُكَّانِهَا كَبِيرًا جِدًّا بِٱلنِّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ ٱلْحِقْبَةِ مِنَ ٱلزَّمَنِ.‏ وَرَغْمَ كُلِّ شُرُورِهِمِ،‏ ٱهْتَمَّ يَهْوَهُ لِأَمْرِهِمْ لِأَنَّهُ يُعِزُّ حَيَاةَ كُلِّ شَخْصٍ وَيَرَى أَنَّ فِي وُسْعِهِ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ خَطَايَاهُ وَتَعَلُّمَ فِعْلِ مَا هُوَ صَائِبٌ.‏

وَجَدَ يُونَانُ نِينَوَى مَدِينَةً ضَخْمَةً مَلِيئَةً بِٱلشُّرُورِ

٦ ‏(‏أ)‏ لِمَ رُبَّمَا وَقَعَ ٱلْمَزِيدُ مِنَ ٱلْخَوْفِ فِي قَلْبِ يُونَانَ؟‏ (‏اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.‏)‏ (‏ب)‏ مَاذَا نَتَعَلَّمُ عَنْ يُونَانَ مِنْ عَمَلِ ٱلْكِرَازَةِ ٱلَّذِي قَامَ بِهِ؟‏

٦ حِينَ وَطِئَ يُونَانُ أَخِيرًا أَرْضَ نِينَوَى،‏ يُحْتَمَلُ أَنَّ عَدَدَ سُكَّانِهَا ٱلْهَائِلَ ٱلَّذِي يَرْبُو عَلَى ١٢٠٬٠٠٠ نَسَمَةٍ أَوْقَعَ ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلْخَوْفِ فِي قَلْبِهِ.‏ * فَسَارَ يَوْمًا كَامِلًا مُتَوَغِّلًا فِي هٰذِهِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلَّتِي تَعِجُّ بِٱلنَّاسِ،‏ رُبَّمَا بَحْثًا عَنْ مَوْقِعٍ مُلَائِمٍ فِي وَسَطِهَا لِيُذِيعَ كَلَامَ يَهْوَهَ.‏ وَلٰكِنْ بِأَيِّ لُغَةٍ خَاطَبَهُمْ؟‏ هَلْ تَعَلَّمَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ ٱلْأَشُّورِيِّينَ أَمْ إِنَّ يَهْوَهَ وَهَبَهُ هٰذِهِ ٱلْمَقْدِرَةَ بِطَرِيقَةٍ عَجَائِبِيَّةٍ؟‏ لَا نَعْرِفُ ٱلْجَوَابَ.‏ فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ،‏ لُغَتِهِ ٱلْأُمِّ،‏ وَٱسْتَعَانَ بِشَخْصٍ آخَرَ يُتَرْجِمُ كَلَامَهُ.‏ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ،‏ كَانَتْ رِسَالَتُهُ وَاضِحَةً وَبَسِيطَةً وَلَمْ تَكُنْ لِتَلْقَى عَلَى ٱلْأَرْجَحِ ٱسْتِحْسَانًا بَيْنَ أَهْلِ نِينَوَى.‏ فَقَدْ رَاحَ يُنَادِي:‏ «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى».‏ (‏يون ٣:‏٤‏)‏ نَعَمْ،‏ أَعْلَنَ يُونَانُ رِسَالَتَهُ بِكُلِّ جُرْأَةٍ وَكَرَّرَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى،‏ مُعْرِبًا عَنْ شَجَاعَةٍ لَافِتَةٍ وَإِيمَانٍ رَائِعٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِمَا كُلُّ ٱلْمَسِيحِيِّينَ ٱلْيَوْمَ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى.‏

كَانَتْ رِسَالَةُ يُونَانَ وَاضِحَةً وَبَسِيطَةً وَلَمْ تَكُنْ لِتَلْقَى عَلَى ٱلْأَرْجَحِ ٱسْتِحْسَانًا بَيْنَ أَهْلِ نِينَوَى

٧،‏ ٨ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ تَجَاوَبَ أَهْلُ نِينَوَى مَعَ رِسَالَةِ يُونَانَ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا كَانَتْ رَدَّةُ فِعْلِ مَلِكِ نِينَوَى حِيَالَ كَلَامِ يُونَانَ؟‏

٧ اِسْتَأْثَرَ يُونَانُ بِٱنْتِبَاهِ أَهْلِ نِينَوَى.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَرَقَّبَ رَدَّةَ فِعْلٍ عِدَائِيَّةً وَعَنِيفَةً،‏ وَلٰكِنْ حَصَلَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي حُسْبَانِهِ.‏ فَقَدْ أَعَارَهُ ٱلشَّعْبُ أُذُنًا صَاغِيَةً وَٱنْتَشَرَتْ كَلِمَاتُهُ ٱنْتِشَارَ ٱلنَّارِ فِي ٱلْهَشِيمِ.‏ وَلَمْ يَمْضِ وَقْتٌ طَوِيلٌ حَتَّى صَارَتْ نُبُوَّتُهُ عَنْ دَيْنُونَةِ ٱللهِ حَدِيثَ ٱلسَّاعَةِ فِي ٱلْمَدِينَةِ بِأَكْمَلِهَا.‏ ‏(‏اقرأ يونان ٣:‏٥‏.‏‏)‏ وَأَعْرَبَ ٱلْجَمِيعُ —‏ ٱلْأَغْنِيَاءُ وَٱلْفُقَرَاءُ،‏ ٱلرِّجَالُ وَٱلنِّسَاءُ،‏ وَٱلصِّغَارُ وَٱلْكِبَارُ —‏ عَنْ تَوْبَةٍ قَلْبِيَّةٍ وَٱمْتَنَعُوا عَنِ ٱلطَّعَامِ.‏ وَسُرْعَانَ مَا تَنَاهَى ٱلْخَبَرُ إِلَى مَسَامِعِ ٱلْمَلِكِ.‏

اِحْتَاجَ يُونَانُ إِلَى ٱلشَّجَاعَةِ وَٱلْإِيمَانِ كَيْ يَكْرِزَ فِي نِينَوَى

٨ فَتَجَاوَبَ هُوَ ٱلْآخَرُ مَعَ رِسَالَةِ يُونَانَ وَخَافَ يَهْوَهَ ٱللهَ.‏ فَقَامَ عَنْ عَرْشِهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ ٱلْمَلَكِيَّ ٱلْفَاخِرَ ثُمَّ تَغَطَّى بِٱلْمِسْحِ،‏ ٱلرِّدَاءِ ٱلْخَشِنِ نَفْسِهِ ٱلَّذِي لَبِسَهُ أَفْرَادُ ٱلشَّعْبِ،‏ وَ «جَلَسَ فِي ٱلرَّمَادِ».‏ وَعَمَدَ هُوَ وَ ‹عُظَمَاؤُهُ›،‏ أَيْ نُبَلَاؤُهُ،‏ إِلَى إِصْدَارِ مَرْسُومٍ حَوَّلَ ٱلصَّوْمَ مِنْ بَادِرَةٍ شَعْبِيَّةٍ عَفْوِيَّةٍ إِلَى إِجْرَاءٍ رَسْمِيٍّ.‏ فَأَمَرَ بِمُوجَبِهِ أَنْ يَلْبَسَ جَمِيعُ ٱلشَّعْبِ وَٱلْبَهَائِمِ ٱلْمُسُوحَ.‏ * وَٱعْتَرَفَ بِتَوَاضُعٍ أَنَّ ٱلْأُمَّةَ ٱرْتَكَبَتِ ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلشُّرُورِ وَٱلْأَعْمَالِ ٱلْعَنِيفَةِ.‏ وَعَبَّرَ عَنْ أَمَلِهِ أَنْ يَرِقَّ ٱللهُ لِحَالِهِمْ حِينَ يَرَى تَوْبَتَهُمْ،‏ رَاجِيًا أَنْ ‹يَرْجِعَ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ لِئَلَّا يَهْلِكُوا›.‏ —‏ يون ٣:‏​٦-‏٩‏.‏

٩ أَيَّةُ شُكُوكٍ يُثِيرُهَا ٱلنُّقَّادُ حَوْلَ تَوْبَةِ أَهْلِ نِينَوَى،‏ وَكَيْفَ نَعْرِفُ أَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ؟‏

٩ يَرَى بَعْضُ ٱلنُّقَّادِ أَنَّ ٱلسُّرْعَةَ ٱلَّتِي غَيَّرَ بِهَا شَعْبُ نِينَوَى مَوْقِفَهُمْ مُثِيرَةٌ لِلشُّكُوكِ.‏ لٰكِنَّ عُلَمَاءَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يَرَوْنَ أَنَّ هٰذِهِ ٱلنَّقْلَةَ ٱلنَّوْعِيَّةَ لَيْسَتْ غَرِيبَةً عَنْ شُعُوبِ تِلْكَ ٱلْحَضَارَاتِ فِي ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْقَدِيمَةِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا بِٱلْمُعْتَقَدَاتِ ٱلْخُرَافِيَّةِ وَٱتَّسَمُوا بِٱلِٱنْفِعَالِ وَسُرْعَةِ ٱلتَّأَثُّرِ.‏ وَثَمَّةَ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى خَطَإِ هٰؤُلَاءِ ٱلنُّقَّادِ هُوَ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ نَفْسَهُ أَشَارَ لَاحِقًا إِلَى تَوْبَةِ أَهْلِ نِينَوَى.‏ ‏(‏اقرأ متى ١٢:‏٤١‏.‏‏)‏ وَهُوَ كَانَ عَلَى يَقِينٍ تَامٍّ مِمَّا قَالَهُ لِأَنَّهُ شَهِدَ هٰذِهِ ٱلْحَوَادِثَ بِأُمِّ عَيْنِهِ خِلَالَ وُجُودِهِ فِي ٱلسَّمَاءِ.‏ (‏يو ٨:‏​٥٧،‏ ٥٨‏)‏ إِذًا،‏ لَا يَنْبَغِي أَنْ نَفْتَرِضَ أَلْبَتَّةَ أَنَّ تَوْبَةَ ٱلنَّاسِ مُسْتَحِيلَةٌ مَهْمَا بَدَوْا فِي نَظَرِنَا أَشْرَارًا وَعُنَفَاءَ.‏ فَوَحْدَهُ يَهْوَهُ يَقْرَأُ مَا فِي ٱلْقُلُوبِ.‏

تَبَايُنٌ صَارِخٌ بَيْنَ رَحْمَةِ ٱللهِ وَقَسْوَةِ ٱلْبَشَرِ

١٠،‏ ١١ ‏(‏أ)‏ مَاذَا كَانَ مَوْقِفُ يَهْوَهَ مِنْ تَوْبَةِ أَهْلِ نِينَوَى؟‏ (‏ب)‏ لِمَ نَحْنُ وَاثِقُونَ أَنَّ يَهْوَهَ لَمْ يُخْطِئْ فِي حُكْمِهِ؟‏

١٠ مَاذَا كَانَ مَوْقِفُ يَهْوَهَ مِنْ تَوْبَةِ أَهْلِ نِينَوَى؟‏ كَتَبَ يُونَانُ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ:‏ «لَمَّا رَأَى ٱللهُ أَعْمَالَهُمْ،‏ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ،‏ تَأَسَّفَ ٱللهُ عَلَى ٱلْبَلِيَّةِ ٱلَّتِي قَالَ إِنَّهُ يُنْزِلُهَا بِهِمْ،‏ وَلَمْ يُنْزِلْهَا».‏ —‏ يون ٣:‏١٠‏.‏

١١ هَلْ تَعْنِي هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتُ أَنَّ يَهْوَهَ كَانَ مُخْطِئًا فِي حُكْمِهِ عَلَى نِينَوَى؟‏ كَلَّا عَلَى ٱلْإِطْلَاقِ.‏ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَقُولُ إِنَّ عَدْلَهُ كَامِلٌ.‏ ‏(‏اقرإ التثنية ٣٢:‏٤‏.‏‏)‏ فَبِبَسِيطِ ٱلْعِبَارَةِ،‏ سَكَنَ غَضَبُهُ ٱلْبَارُّ ٱلَّذِي شَعَرَ بِهِ حِيَالَهُمْ.‏ فَقَدْ لَمَسَ تَغْيِيرًا فِي قُلُوبِهِمْ،‏ لِذَا رَأَى أَنَّ ٱلْعِقَابَ ٱلَّذِي كَانَ سَيُنْزِلُهُ بِهِمْ لَمْ يَعُدْ لَازِمًا وَقَرَّرَ أَنْ يَشْمُلَهُمْ بِرَحْمَتِهِ.‏

١٢،‏ ١٣ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ يُظْهِرُ يَهْوَهُ أَنَّهُ مُتَعَقِّلٌ وَمَرِنٌ وَرَحُومٌ؟‏ (‏ب)‏ لِمَ لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةُ يُونَانَ كَاذِبَةً؟‏

١٢ حَقًّا،‏ إِنَّ يَهْوَهَ لَيْسَ إِلٰهًا قَاسِيًا مُتَصَلِّبًا وَبَارِدَ ٱلْمَشَاعِرِ كَمَا يُصَوِّرُهُ ٱلْقَادَةُ ٱلدِّينِيُّونَ فِي أَغْلَبِ ٱلْأَحْيَانِ،‏ بَلْ إِلٰهٌ مُتَعَقِّلٌ وَمَرِنٌ وَرَحُومٌ.‏ فَحِينَ يَنْوِي أَنْ يُعَاقِبَ ٱلْأَشْرَارَ،‏ يَسْتَخْدِمُ أَوَّلًا مُمَثِّلِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ كَيْ يُنْذِرُوهُمْ لِأَنَّهُ يَتُوقُ إِلَى رُؤْيَتِهِمْ يَتُوبُونَ وَيُغَيِّرُونَ طُرُقَهُمْ أُسْوَةً بِأَهْلِ نِينَوَى.‏ (‏حز ٣٣:‏١١‏)‏ قَالَ يَهْوَهُ لِنَبِيِّهِ إِرْمِيَا:‏ «حِينَ أَتَكَلَّمُ فِي لَحْظَةٍ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ لِأَسْتَأْصِلَهَا وَأُقَوِّضَهَا وَأُهْلِكَهَا،‏ فَتَرْجِعُ تِلْكَ ٱلْأُمَّةُ عَنْ شَرِّهَا ٱلَّذِي بِسَبَبِهِ تَكَلَّمْتُ،‏ فَإِنِّي أَتَأَسَّفُ عَلَى ٱلْبَلِيَّةِ ٱلَّتِي فَكَّرْتُ أَنْ أُنْزِلَهَا بِهَا».‏ —‏ ار ١٨:‏​٧،‏ ٨‏.‏

يَتُوقُ ٱللهُ إِلَى رُؤْيَةِ ٱلْأَشْرَارِ يَتُوبُونَ وَيُغَيِّرُونَ طُرُقَهُمْ أُسْوَةً بِأَهْلِ نِينَوَى

١٣ بِنَاءً عَلَيْهِ،‏ هَلْ يُمْكِنُ ٱلْقَوْلُ إِنَّ نُبُوَّةَ يُونَانَ كَاذِبَةٌ؟‏ بِٱلطَّبْعِ لَا،‏ فَقَدْ أَتَمَّتِ ٱلْقَصْدَ مِنْهَا:‏ تَحْذِيرَ ٱلشَّعْبِ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلَّتِي ٱسْتَحَقُّوهَا بِسَبَبِ طُرُقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ.‏ إِلَّا أَنَّهُمْ غَيَّرُوا مَسْلَكَهُمْ وَتَابُوا عَنْ شُرُورِهِمْ.‏ وَلٰكِنْ فِي حَالِ رَجَعُوا إِلَى سَابِقِ عَهْدِهِمْ كَانَ ٱللهُ سَيُنْزِلُ بِهِمِ ٱلدَّيْنُونَةَ عَيْنَهَا وَيُهْلِكُهُمْ لَا مَحَالَةَ.‏ وَهٰذَا مَا حَدَثَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ.‏ —‏ صف ٢:‏​١٣-‏١٥‏.‏

١٤ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ يُونَانَ حِينَ أَظْهَرَ يَهْوَهُ ٱلرَّحْمَةَ لِأَهْلِ نِينَوَى؟‏

١٤ وَمَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِ يُونَانَ حِينَ لَمْ يُنَفِّذِ ٱللهُ ٱلْعِقَابَ فِي ٱلْوَقْتِ ٱلَّذِي تَوَقَّعَهُ؟‏ تَذْكُرُ ٱلرِّوَايَةُ:‏ «سَاءَ ذٰلِكَ يُونَانَ كَثِيرًا،‏ وَٱحْتَدَمَ غَضَبًا».‏ (‏يون ٤:‏١‏)‏ حَتَّى إِنَّهُ صَلَّى إِلَى ٱللهِ صَلَاةً بَدَتْ وَكَأَنَّهَا تَأْنِيبٌ لِلْإِلٰهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ!‏ فَقَدْ تَمَنَّى لَوْ بَقِيَ فِي مَوْطِنِهِ،‏ وَٱدَّعَى أَنَّهُ عَرَفَ مِنَ ٱلْبِدَايَةِ أَنَّ يَهْوَهَ لَنْ يُوقِعَ ٱلْبَلِيَّةَ بِأَهْلِ نِينَوَى،‏ وَتَذَرَّعَ أَيْضًا بِهٰذِهِ ٱلْحُجَّةِ لِيُبَرِّرَ هَرَبَهُ إِلَى تَرْشِيشَ.‏ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ قَائِلًا إِنَّ مَوْتَهُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ.‏ —‏ اقرأ يونان ٤:‏​٢،‏ ٣‏.‏

١٥ ‏(‏أ)‏ لِمَ رُبَّمَا غَرِقَ يُونَانُ فِي دَوَّامَةٍ مِنَ ٱلْمَشَاعِرِ ٱلسَّلْبِيَّةِ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تَعَامَلَ يَهْوَهُ مَعَ نَبِيِّهِ ٱلْمُسْتَاءِ؟‏

١٥ وَلِمَاذَا ٱسْتَاءَ يُونَانُ إِلَى هٰذَا ٱلْحَدِّ؟‏ لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْرِفَ كُلَّ مَا جَالَ فِي خَاطِرِهِ مِنْ أَفْكَارٍ،‏ لٰكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ أَعْلَنَ رِسَالَةَ ٱلدَّيْنُونَةِ أَمَامَ كُلِّ شَعْبِ نِينَوَى وَهُمْ صَدَّقُوا مَا قَالَهُ.‏ وَلٰكِنْ مَا مِنْ دَيْنُونَةٍ آتِيَةٍ ٱلْآنَ.‏ فَهَلْ خَافَ يُونَانُ أَنْ يَسْخَرَ مِنْهُ ٱلشَّعْبُ أَوْ يَعْتَبِرُوهُ نَبِيًّا كَذَّابًا؟‏ مَهْمَا كَانَتِ ٱلْأَسْبَابُ ٱلَّتِي ضَايَقَتْهُ،‏ فَهُوَ لَمْ يُسَرَّ بِتَوْبَةِ ٱلنَّاسِ وَلَا بِرَحْمَةِ يَهْوَهَ.‏ بَلْ غَرِقَ كَمَا يَبْدُو فِي دَوَّامَةٍ مِنْ مَشَاعِرِ ٱلْمَرَارَةِ وَٱلشَّفَقَةِ عَلَى ٱلذَّاتِ وَأَحَسَّ أَنَّ كِبْرِيَاءَهُ جُرِحَتْ.‏ وَلٰكِنْ مِنَ ٱلْوَاضِحِ أَنَّ ٱلْإِلٰهَ ٱلرَّحِيمَ يَهْوَهَ ظَلَّ يَرَى فِي هٰذَا ٱلنَّبِيِّ ٱلْمُسْتَاءِ صِفَاتٍ حَسَنَةً.‏ فَبَدَلَ أَنْ يُعَاقِبَهُ عَلَى قِلَّةِ ٱحْتِرَامِهِ،‏ طَرَحَ عَلَيْهِ بِرِقَّةٍ سُؤَالًا فَاحِصًا:‏ «أَبِحَقٍّ غَضَبُكَ؟‏».‏ (‏يون ٤:‏٤‏)‏ وَهَلْ أَجَابَ يُونَانُ؟‏ لَا يَأْتِي ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ عَلَى ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ هٰذَا ٱلْقَبِيلِ.‏

١٦ فِي أَيَّةِ حَالَاتٍ قَدْ لَا يَتَّفِقُ ٱلْبَعْضُ مَعَ ٱللهِ فِي وِجْهَاتِ ٱلنَّظَرِ،‏ وَأَيُّ دَرْسٍ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ مِثَالِ يُونَانَ؟‏

١٦ مِنَ ٱلسَّهْلِ أَنْ نَلُومَ يُونَانَ وَنَدِينَ تَصَرُّفَهُ،‏ وَلٰكِنْ لِنُبْقِ فِي بَالِنَا أَنَّ ٱلْبَشَرَ ٱلنَّاقِصِينَ لَا يَتَّفِقُونَ مَعَ ٱللهِ أَحْيَانًا فِي وِجْهَاتِ ٱلنَّظَرِ.‏ فَٱلْبَعْضُ يَتَمَنَّوْنَ لَوْ أَنَّهُ حَالَ دُونَ وُقُوعِ مَأْسَاةٍ مَا،‏ أَوْ أَنْزَلَ دَيْنُونَةً سَرِيعَةً بِٱلْأَشْرَارِ،‏ أَوْ وَضَعَ حَدًّا مُنْذُ زَمَنٍ لِنِظَامِ ٱلْأَشْيَاءِ ٱلْعَالَمِيِّ هٰذَا.‏ وَفِي حَالَاتٍ كَهٰذِهِ،‏ يُعَلِّمُنَا مِثَالُ يُونَانَ دَرْسًا مُهِمًّا يَصِحُّ فِي كُلِّ ٱلْأَوْقَاتِ:‏ نَحْنُ مَنْ يَلْزَمُ أَنْ نُعَدِّلَ وُجْهَةَ نَظَرِنَا،‏ لَا يَهْوَهُ ٱللهُ.‏

يَهْوَهُ يُعَلِّمُ يُونَانَ دَرْسًا قَيِّمًا

١٧،‏ ١٨ ‏(‏أ)‏ مَاذَا فَعَلَ يُونَانُ بَعْدَمَا غَادَرَ نِينَوَى؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تَأَثَّرَ يُونَانُ بِعَجَائِبِ يَهْوَهَ ٱلْمُتَعَلِّقَةِ بِنَبْتَةِ ٱلْقَرْعِ؟‏

١٧ غَادَرَ ٱلنَّبِيُّ ٱلْمُتَثَبِّطُ مَدِينَةَ نِينَوَى،‏ لٰكِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ مَوْطِنَهُ بَلِ ٱتَّجَهَ شَرْقًا نَحْوَ جِبَالٍ مُطِلَّةٍ عَلَى ٱلْمِنْطَقَةِ.‏ فَصَنَعَ هُنَاكَ مَظَلَّةً صَغِيرَةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا يُرَاقِبُ ٱلْمَدِينَةَ.‏ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَفْقِدِ ٱلْأَمَلَ مِنْ رُؤْيَتِهَا تَتَدَمَّرُ وَتَفْنَى.‏ فَكَيْفَ عَلَّمَ يَهْوَهُ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلْمُعَانِدَ دَرْسًا فِي ٱلرَّحْمَةِ؟‏

١٨ أَعَدَّ يَهْوَهُ أَثْنَاءَ ٱللَّيْلِ نَبْتَةَ قَرْعٍ ٱرْتَفَعَتْ فَوْقَ رَأْسِهِ.‏ فَٱسْتَفَاقَ مِنْ نَوْمِهِ وَإِذْ بِهِ يَرَى نَبْتَةً وَارِفَةً عَرِيضَةَ ٱلْأَوْرَاقِ حَمَتْهُ مِنَ ٱلشَّمْسِ أَكْثَرَ بِكَثِيرٍ مِنَ ٱلْمَظَلَّةِ ٱلرَّقِيقَةِ ٱلَّتِي صَنَعَهَا.‏ فَٱنْشَرَحَ صَدْرُهُ وَ «فَرِحَ .‏ .‏ .‏ بِٱلْقَرْعَةِ فَرَحًا عَظِيمًا»،‏ رُبَّمَا لِأَنَّهُ رَأَى فِي ظُهُورِهَا ٱلْعَجَائِبِيِّ دَلِيلًا عَلَى بَرَكَةِ ٱللهِ وَرِضَاهُ.‏ لٰكِنَّ يَهْوَهَ لَمْ يَقْصِدْ أَنْ يَقِيَهُ حَرَّ ٱلشَّمْسِ أَوْ يُسَكِّنَ غَضَبَهُ غَيْرَ ٱلْمُبَرَّرِ فَحَسْبُ،‏ بَلْ أَرَادَ أَنْ يَمَسَّ قَلْبَهُ.‏ فَأَتَى بِعَجِيبَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ،‏ إِذْ أَعَدَّ دُودَةً لِتَضْرِبَ ٱلنَّبْتَةَ وَتَقْضِيَ عَلَيْهَا،‏ ثُمَّ أَرْسَلَ «رِيحًا شَرْقِيَّةً لَافِحَةً» حَتَّى «كَادَ يُغْمَى» عَلَى يُونَانَ مِنْ شِدَّةِ ٱلْحَرِّ.‏ فَٱنْهَارَتْ مَعْنَوِيَّاتُهُ وَطَلَبَ مِنَ ٱللهِ ثَانِيَةً أَنْ يُمِيتَهُ.‏ —‏ يون ٤:‏​٦-‏٨‏.‏

١٩،‏ ٢٠ كَيْفَ حَاجَّ يَهْوَهُ يُونَانَ بِشَأْنِ نَبْتَةِ ٱلْقَرْعِ؟‏

١٩ سَأَلَ يَهْوَهُ يُونَانَ مُجَدَّدًا إِنْ كَانَ مُحِقًّا فِي غَضَبِهِ هٰذِهِ ٱلْمَرَّةَ مِنْ أَجْلِ ٱلْقَرْعَةِ.‏ وَعِوَضَ أَنْ يَنْدَمَ ٱلنَّبِيُّ عَلَى مَوْقِفِهِ،‏ بَرَّرَ نَفْسَهُ قَائِلًا:‏ «بِحَقٍّ غَضَبِي إِلَى ٱلْمَوْتِ».‏ عِنْدَئِذٍ آنَ ٱلْأَوَانُ لِيُلَقِّنَهُ يَهْوَهُ ٱلدَّرْسَ بِكُلِّ وُضُوحٍ وَصَرَاحَةٍ.‏ —‏ يون ٤:‏٩‏.‏

اِسْتَخْدَمَ ٱللهُ نَبْتَةَ قَرْعٍ لِيُعَلِّمَ يُونَانَ دَرْسًا فِي ٱلرَّحْمَةِ

٢٠ فَحَاجَّهُ قَائِلًا إِنَّهُ أَشْفَقَ عَلَى نَبْتَةٍ نَمَتْ وَذَوَتْ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَضُحَاهَا وَهُوَ لَمْ يَزْرَعْهَا أَوْ يَتْعَبْ فِيهَا.‏ ثُمَّ ٱخْتَتَمَ بِٱلْكَلِمَاتِ ٱلتَّالِيَةِ:‏ «أَفَلَا أُشْفِقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ،‏ ٱلَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا مِنَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ يَسَارِهِمْ،‏ مَا عَدَا بَهَائِمَ كَثِيرَةً؟‏».‏ —‏ يون ٤:‏​١٠،‏ ١١‏.‏ *

٢١ ‏(‏أ)‏ أَيُّ دَرْسٍ عَمَلِيٍّ عَمِيقٍ عَلَّمَهُ يَهْوَهُ لِيُونَانَ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ تُسَاعِدُنَا رِوَايَةُ يُونَانَ أَنْ نَتَفَحَّصَ أَنْفُسَنَا بِصِدْقٍ؟‏

٢١ هَلْ تُدْرِكُ ٱلدَّرْسَ ٱلْعَمَلِيَّ ٱلْعَمِيقَ ٱلَّذِي كَانَ يَهْوَهُ يَرْمِي إِلَيْهِ؟‏ لَمْ يَبْذُلْ يُونَانُ أَيَّ جُهْدٍ لِيَعْتَنِيَ بِٱلنَّبْتَةِ،‏ أَمَّا يَهْوَهُ فَكَانَ يَنْبُوعَ حَيَاةِ أَهْلِ نِينَوَى وَدَاعِمَهَا مِثْلَمَا هُوَ دَاعِمُ حَيَاةِ سَائِرِ ٱلْمَخْلُوقَاتِ عَلَى ٱلْأَرْضِ.‏ فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِمُجَرَّدِ نَبْتَةٍ أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ قِيمَةً فِي نَظَرِ يُونَانَ مِنْ حَيَاةِ ١٢٠٬٠٠٠ نَسَمَةٍ فَضْلًا عَنْ كُلِّ مَوَاشِيهِمْ؟‏ أَوَلَيْسَ ٱلسَّبَبُ أَنَّهُ سَمَحَ لِلتَّفْكِيرِ ٱلْأَنَانِيِّ بِأَنْ يَتَسَلَّلَ إِلَى ذِهْنِهِ؟‏ فَفِي ٱلْوَاقِعِ،‏ مَا كَانَ ٱلنَّبِيُّ لِيُشْفِقَ عَلَى ٱلنَّبْتَةِ لَوْ لَمْ يَسْتَفِدْ مِنْهَا شَخْصِيًّا.‏ أَوَلَمْ يَكُنْ غَضَبُهُ عَلَى نِينَوَى نَابِعًا مِنْ دَافِعٍ أَنَانِيٍّ أَيْضًا،‏ أَيِ ٱلرَّغْبَةِ فِي إِنْقَاذِ مَاءِ ٱلْوَجْهِ أَوْ بِكَلِمَاتٍ أُخْرَى إِثْبَاتِ صِحَّةِ كَلَامِهِ أَمَامَ أَهْلِهَا؟‏ إِنَّ قِصَّةَ يُونَانَ تُسَاعِدُنَا أَنْ نَتَفَحَّصَ أَنْفُسَنَا بِصِدْقٍ.‏ فَمَنَ مِنَّا لَا تَتَنَازَعُهُ مُيُولٌ أَنَانِيَّةٌ كَهٰذِهِ؟‏ لِذَا نَحْنُ مُمْتَنُّونَ جِدًّا لِيَهْوَهَ لِأَنَّهُ يُعَلِّمُنَا بِصَبْرٍ أَنْ نَكُونَ أَكْثَرَ تَفَانِيًا وَتَعَاطُفًا وَرَحْمَةً فِي تَعَامُلِنَا مَعَ ٱلْآخَرِينَ،‏ عَلَى غِرَارِهِ هُوَ.‏

٢٢ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ تَأَثَّرَ يُونَانُ كَمَا يَتَّضِحُ بِإِرْشَادَاتِ يَهْوَهَ ٱلْحَكِيمَةِ عَنِ ٱلرَّحْمَةِ؟‏ (‏ب)‏ أَيُّ دَرْسٍ يَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَتَعَلَّمَهُ جَمِيعًا؟‏

٢٢ وَلٰكِنْ هَلِ ٱسْتَخْلَصَ يُونَانُ ٱلْمَغْزَى مِنْ هٰذَا ٱلدَّرْسِ؟‏ يُخْتَتَمُ ٱلسِّفْرُ ٱلَّذِي يَحْمِلُ ٱسْمَهُ بِٱلسُّؤَالِ ٱلَّذِي طَرَحَهُ يَهْوَهُ وَلٰكِنْ دُونَ ذِكْرِ أَيِّ جَوَابٍ.‏ لِذٰلِكَ قَدْ يَعْتَرِضُ بَعْضُ ٱلنُّقَّادِ قَائِلِينَ إِنَّ يُونَانَ لَمْ يُجِبْ قَطُّ عَنْ سُؤَالِ يَهْوَهَ.‏ لٰكِنَّ ٱلْحَقِيقَةَ أَنَّ سِفْرَهُ بِحَدِّ ذَاتِهِ هُوَ ٱلْجَوَابُ،‏ فَٱلْأَدِلَّةُ تُشِيرُ أَنَّ يُونَانَ هُوَ كَاتِبُ ٱلسِّفْرِ ٱلَّذِي يَحْمِلُ ٱسْمَهُ.‏ تَخَيَّلْ هٰذَا ٱلنَّبِيَّ قَدْ عَادَ سَالِمًا إِلَى مَوْطِنِهِ وَرَاحَ يَخُطُّ رِوَايَتَهُ.‏ فَبَعْدَ أَنْ صَارَ أَكْبَرَ سِنًّا وَأَكْثَرَ حِكْمَةً وَتَوَاضُعًا،‏ لَعَلَّهُ رَاحَ يَهُزُّ رَأْسَهُ نَدَمًا وَهُوَ يَكْتُبُ عَنْ أَخْطَائِهِ وَعِصْيَانِهِ وَرَفْضِهِ بِعِنَادٍ أَنْ يُعْرِبَ عَنِ ٱلرَّحْمَةِ.‏ مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْ إِرْشَادَاتِ يَهْوَهَ ٱلْحَكِيمَةِ دَرْسًا قَيِّمًا:‏ أَنْ يَكُونَ شَخْصًا رَحِيمًا.‏ فَهَلْ نَقْتَدِي بِهِ؟‏ —‏ اقرأ متى ٥:‏٧‏.‏

^ ‎الفقرة 6‏ يُقَدَّرُ أَنَّ عَدَدَ سُكَّانِ ٱلسَّامِرَةِ عَاصِمَةِ مَمْلَكَةِ إِسْرَائِيلَ ذَاتِ ٱلْعَشَرَةِ أَسْبَاطٍ تَرَاوَحَ بَيْنَ ٢٠٬٠٠٠ وَ ٣٠٬٠٠٠ نَسَمَةٍ فِي أَيَّامِ يُونَانَ،‏ أَيْ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ سُكَّانِ نِينَوَى.‏ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ نِينَوَى وَهِيَ فِي أَوْجِ مَجْدِهَا كَانَتْ كُبْرَى مُدُنِ ٱلْعَالَمِ.‏

^ ‎الفقرة 8‏ قَدْ تَبْدُو هٰذِهِ ٱلْفِكْرَةُ غَرِيبَةً،‏ وَلٰكِنْ لَهَا سَابِقَةٌ فِي ٱلْأَزْمِنَةِ ٱلْقَدِيمَةِ.‏ فَقَدْ ذَكَرَ ٱلْمُؤَرِّخُ ٱلْيُونَانِيُّ هِيرُودُوتُسُ أَنَّ ٱلْفُرْسَ ٱلْقُدَمَاءَ كَانُوا يَنُوحُونَ عِنْدَ مَوْتِ أَحَدِ قَادَتِهِمِ ٱلْمَحْبُوبِينَ فَيَشْمُلُونَ حَيَوَانَاتِهِمْ بِعَادَاتِ نَوْحِهِمْ.‏

^ ‎الفقرة 20‏ حِينَ قَالَ ٱللهُ إِنَّ هٰذَا ٱلشَّعْبَ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ يَسَارِهِمْ،‏ أَشَارَ ذٰلِكَ إِلَى جَهْلِهِمِ ٱلْمُطْبِقِ بِمَقَايِيسِهِ مِثْلَ ٱلْأَوْلَادِ ٱلصِّغَارِ.‏