الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

اَلْفَصْلُ ٱلثَّامِنَ عَشَرَ

‏‹كانت تتفكر في قلبها›‏

‏‹كانت تتفكر في قلبها›‏

١،‏ ٢ كَيْفَ كَانَتْ رِحْلَةُ مَرْيَمَ،‏ وَمَاذَا جَعَلَهَا صَعْبَةً عَلَيْهَا؟‏

سَاعَاتٌ مَضَتْ وَمَرْيَمُ جَالِسَةٌ عَلَى ظَهْرِ ٱلدَّابَّةِ ٱلصَّغِيرَةِ،‏ تَارَةً تَتَّكِئُ عَلَى جَنْبِهَا ٱلْأَيْمَنِ وَتَارَةً عَلَى ٱلْأَيْسَرِ.‏ وَهَا هُوَ يُوسُفُ أَمَامَهَا يَقُودُ ٱلدَّابَّةَ سَائِرًا بِخُطًى ثَابِتَةٍ عَلَى طُولِ ٱلطَّرِيقِ ٱلطَّوِيلَةِ ٱلْمُؤَدِّيَةِ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ.‏ وَخِلَالَ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلشَّاقَّةِ،‏ شَعَرَتْ مَرْيَمُ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ بِٱلْجَنِينِ يَرْتَكِضُ فِي بَطْنِهَا.‏

٢ لَقَدْ دَنَتْ وِلَادَتُهَا،‏ فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ يَصِفُ حَالَتَهَا آنَذَاكَ قَائِلًا:‏ «قَدْ ثَقُلَ حَمْلُهَا».‏ (‏لو ٢:‏٥‏)‏ وَبَيْنَمَا ٱجْتَازَتْ هِيَ وَيُوسُفُ حَقْلًا بَعْدَ آخَرَ،‏ لَرُبَّمَا لَفَتَا أَنْظَارَ بَعْضِ ٱلْفَلَّاحِينَ ٱلْمُنْشَغِلِينَ بِٱلزِّرَاعَةِ أَوِ ٱلْحِرَاثَةِ.‏ وَلَعَلَّ هٰؤُلَاءِ تَسَاءَلُوا لِمَاذَا تُقْدِمُ ٱمْرَأَةٌ فِي مِثْلِ حَالِهَا عَلَى رِحْلَةٍ كَهٰذِهِ.‏ فَيَا تُرَى،‏ مَا ٱلَّذِي حَدَا بِمَرْيَمَ أَنْ تَتْرُكَ مَدِينَتَهَا ٱلنَّاصِرَةَ وَتُسَافِرَ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْمَسَافَةِ ٱلْبَعِيدَةِ؟‏

٣ أَيُّ دَوْرٍ أُوكِلَ إِلَى مَرْيَمَ،‏ وَمَاذَا سَنَتَعَلَّمُ مِنْهَا فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟‏

٣ بَدَأَتِ ٱلْقِصَّةُ قَبْلَ عِدَّةِ شُهُورٍ حِينَ أُوكِلَ إِلَى هٰذِهِ ٱلشَّابَّةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ دَوْرٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَثِيلٌ فِي تَارِيخِ ٱلْبَشَرِ:‏ أَنْ تَلِدَ ٱلطِّفْلَ ٱلَّذِي سَيَصِيرُ ٱلْمَسِيَّا،‏ ٱبْنَ ٱللهِ!‏ (‏لو ١:‏٣٥‏)‏ وَفِيمَا دَنَا مَوْعِدُ وِلَادَتِهَا،‏ نَشَأَ ظَرْفٌ أَوْجَبَ عَلَيْهَا ٱلْقِيَامَ بِهٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ.‏ وَخِلَالَهَا،‏ وَاجَهَتْ مَرْيَمُ عِدَّةَ صُعُوبَاتٍ ٱمْتَحَنَتْ إِيمَانَهَا.‏ فَلْنَرَ مَا ٱلَّذِي سَاعَدَهَا أَنْ تُحَافِظَ عَلَى هٰذَا ٱلْإِيمَانِ قَوِيًّا.‏

اَلرِّحْلَةُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ

٤،‏ ٥ ‏(‏أ)‏ لِمَ سَافَرَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ؟‏ (‏ب)‏ أَيُّ نُبُوَّةٍ كَانَتْ سَتَتِمُّ بِصُدُورِ مَرْسُومِ قَيْصَرَ؟‏

٤ لَمْ يَكُنْ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ ٱلْوَحِيدَيْنِ ٱللَّذَيْنِ قَامَا بِمِثْلِ هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ.‏ فَٱلْقَيْصَرُ أُوغُسْطُسُ كَانَ قَدْ أَصْدَرَ مُؤَخَّرًا مَرْسُومًا يَقْضِي بِإِجْرَاءِ ٱكْتِتَابٍ فِي كُلِّ أَرْجَاءِ ٱلْبِلَادِ،‏ مَا أَجْبَرَ ٱلْجَمِيعَ عَلَى ٱلسَّفَرِ إِلَى مَسْقَطِ رَأْسِهِمْ لِيَكْتَتِبُوا.‏ فَمَاذَا فَعَلَ يُوسُفُ؟‏ تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ:‏ «صَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ ٱلْجَلِيلِ،‏ مِنْ مَدِينَةِ ٱلنَّاصِرَةِ،‏ إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ،‏ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ ٱلَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمَ،‏ لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَائِلَتِهِ».‏ —‏ لو ٢:‏​١-‏٤‏.‏

٥ لَمْ تَكُنْ مُصَادَفَةً أَنْ يُصْدِرَ ٱلْقَيْصَرُ مَرْسُومَهُ فِي هٰذَا ٱلْوَقْتِ.‏ فَثَمَّةَ نُبُوَّةٌ كُتِبَتْ قَبْلَ ذٰلِكَ بِحَوَالَيْ سَبْعَةِ قُرُونٍ أَنْبَأَتْ أَنَّ ٱلْمَسِيَّا سَيُولَدُ فِي بَيْتَ لَحْمَ.‏ وَمَعَ أَنَّهُ كَانَتْ هُنَاكَ مَدِينَةٌ ٱسْمُهَا بَيْتَ لَحْمُ تَبْعُدُ عَنِ ٱلنَّاصِرَةِ ١١ كلم فَقَطْ،‏ حَدَّدَتِ ٱلنُّبُوَّةُ أَنَّ ٱلْمَسِيَّا سَيَخْرُجُ مِنْ «بَيْتَ لَحْمَ أَفْرَاتَةَ».‏ ‏(‏اقرأ ميخا ٥:‏٢‏.‏‏)‏ وَلِلذَّهَابِ مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ إِلَى هٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ،‏ قَطَعَ ٱلْمُسَافِرُونَ عَلَى طُرُقَاتٍ جَبَلِيَّةٍ مَسَافَةَ ١٣٠ كلم تَقْرِيبًا عَبْرَ ٱلسَّامِرَةِ.‏ هٰذِهِ هِيَ بَيْتَ لَحْمُ ٱلَّتِي لَزِمَ أَنْ يَقْصِدَهَا يُوسُفُ؛‏ إِنَّهَا مَسْقَطُ رَأْسِ عَائِلَةِ ٱلْمَلِكِ دَاوُدَ،‏ ٱلْعَائِلَةِ ٱلَّتِي تَحَدَّرَ مِنْهَا يُوسُفُ وَعَرُوسُهُ كِلَاهُمَا.‏

٦،‏ ٧ ‏(‏أ)‏ لِمَ كَانَتِ ٱلرِّحْلَةُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ صَعْبَةً عَلَى مَرْيَمَ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ أَثَّرَ زَوَاجُ مَرْيَمَ بِيُوسُفَ عَلَى قَرَارَاتِهَا؟‏ (‏اُنْظُرْ أَيْضًا ٱلْحَاشِيَةَ.‏)‏

٦ وَهَلْ دَعَمَتْ مَرْيَمُ قَرَارَ يُوسُفَ بِشَأْنِ ٱلسَّفَرِ؟‏ إِنَّهَا مُبَرَّرَةٌ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ ذٰلِكَ.‏ فَٱلرِّحْلَةُ شَاقَّةٌ جِدًّا عَلَيْهَا.‏ وَقَدْ حَلَّ عَلَى ٱلْأَرْجَحِ فَصْلُ ٱلْخَرِيفِ،‏ وَمِنَ ٱلْمُحْتَمَلِ سُقُوطُ أَمْطَارٍ خَفِيفَةٍ مَعَ ٱنْتِهَاءِ فَصْلِ ٱلصَّيْفِ ٱلْجَافِّ.‏ فَوْقَ ذٰلِكَ،‏ تَقُولُ ٱلرِّوَايَةُ إِنَّ يُوسُفَ ‏«صَعِدَ ‏.‏ .‏ .‏ مِنَ ٱلْجَلِيلِ»،‏ وَهِيَ عِبَارَةٌ مُلَائِمَةٌ تَمَامًا لِأَنَّ بَيْتَ لَحْمَ تَقَعُ عَلَى ٱرْتِفَاعٍ يَزِيدُ عَنْ ٧٦٠ م،‏ مَا يَعْنِي رِحْلَةً مُضْنِيَةً صُعُودًا تَسْتَغْرِقُ عِدَّةَ أَيَّامٍ.‏ وَفِي حَالَةِ مَرْيَمَ،‏ قَدْ تَسْتَغْرِقُ ٱلرِّحْلَةُ وَقْتًا أَطْوَلَ مِنَ ٱلْمُعْتَادِ لِحَاجَتِهَا إِلَى ٱلِٱسْتِرَاحَةِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً.‏ أَضِفْ إِلَى ذٰلِكَ أَنَّ ٱلْحَامِلَ،‏ فِي ٱلْفَتْرَةِ ٱلْأَخِيرَةِ مِنْ حَمْلِهَا،‏ تُفَضِّلُ ٱلْبَقَاءَ فِي بِيئَتِهَا بَيْنَ أَهْلِهَا وَصَدِيقَاتِهَا ٱلَّذِينَ يَمُدُّونَ لَهَا يَدَ ٱلْعَوْنِ عِنْدَمَا تَحِينُ سَاعَةُ ٱلْمَخَاضِ.‏ فَلَا شَكَّ أَنَّ ٱلسَّفَرَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ تَطَلَّبَ شَجَاعَةً مِنْ جِهَةِ مَرْيَمَ.‏

كَانَتِ ٱلرِّحْلَةُ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ مُضْنِيَةً

٧ مَعَ هٰذَا،‏ يَقُولُ لُوقَا إِنَّ يُوسُفَ صَعِدَ «لِيَكْتَتِبَ مَعَ مَرْيَمَ خَطِيبَتِهِ ٱلَّتِي تَزَوَّجَهَا».‏ (‏لو ٢:‏​٤،‏ ٥‏)‏ إِنَّ زَوَاجَ مَرْيَمَ بِيُوسُفَ أَثَّرَ كَثِيرًا فِي قَرَارَاتِهَا.‏ فَقَدِ ٱعْتَبَرَتْهُ رَأْسَ ٱلْعَائِلَةِ،‏ وَبِٱلتَّالِي قَبِلَتِ ٱلدَّوْرَ ٱلْمُعْطَى لَهَا مِنَ ٱللهِ أَنْ تُعِينَهُ وَتُكَمِّلَهُ مِنْ خِلَالِ دَعْمِ قَرَارَاتِهِ.‏ * وَهٰكَذَا أَظْهَرَتِ ٱلطَّاعَةَ لِزَوْجِهَا فَتَغَلَّبَتْ عَلَى عَقَبَةٍ رُبَّمَا كَانَتْ سَتَمْتَحِنُ إِيمَانَهَا.‏

٨ ‏(‏أ)‏ أَيُّ عَامِلٍ آخَرَ رُبَّمَا دَفَعَ مَرْيَمَ أَنْ تُرَافِقَ يُوسُفَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ؟‏ (‏ب)‏ لِمَ يُعْتَبَرُ مِثَالُ مَرْيَمَ مَنَارًا لِلْمُؤْمِنِينَ؟‏

٨ وَهَلْ مِنْ عَامِلٍ آخَرَ رُبَّمَا دَفَعَ مَرْيَمَ إِلَى إِطَاعَةِ يُوسُفَ؟‏ تُرَى هَلْ كَانَتْ عَلَى عِلْمٍ بِٱلنُّبُوَّةِ ٱلَّتِي تَقُولُ إِنَّ بَيْتَ لَحْمَ هِيَ مَكَانُ وِلَادَةِ ٱلْمَسِيَّا؟‏ لَا يَأْتِي ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ عَلَى ذِكْرِ ذٰلِكَ،‏ لٰكِنَّ هٰذَا ٱلِٱحْتِمَالَ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ.‏ فَعَلَى مَا يَتَّضِحُ،‏ كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمَعْلُومَةُ مَعْرُوفَةً بَيْنَ ٱلْقَادَةِ ٱلدِّينِيِّينَ وَلَمْ تَكُنْ سِرًّا يَخْفَى حَتَّى عَلَى عَامَّةِ ٱلنَّاسِ.‏ (‏مت ٢:‏​١-‏٧؛‏ يو ٧:‏​٤٠-‏٤٢‏)‏ هٰذَا وَإِنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ وَاسِعَةَ ٱلِٱطِّلَاعِ عَلَى ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ.‏ (‏لو ١:‏​٤٦-‏٥٥‏)‏ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ،‏ سَوَاءٌ قَرَّرَتِ ٱلسَّفَرَ إِطَاعَةً لِزَوْجِهَا أَوْ لِمَرْسُومِ ٱلْقَيْصَرِ أَوْ إِتْمَامًا لِنُبُوَّةِ يَهْوَهَ —‏ أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَبَبٍ —‏ فَقَدْ رَسَمَتْ بِذٰلِكَ مِثَالًا رَائِعًا.‏ فَيَهْوَهُ يُقَدِّرُ حَقَّ ٱلتَّقْدِيرِ ٱلرِّجَالَ وَٱلنِّسَاءَ ٱلَّذِينَ يَتَحَلَّوْنَ بِرُوحٍ طَائِعَةٍ وَمُتَوَاضِعَةٍ.‏ وَفِي أَزْمِنَتِنَا هٰذِهِ،‏ حَيْثُ مَا عَادَ ٱلْخُضُوعُ بِوَجْهٍ عَامٍّ مِنَ ٱلْفَضَائِلِ ٱلْمُسْتَحَبَّةِ،‏ لَا يَزَالُ مِثَالُ مَرْيَمَ مَنَارًا لِلْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ بِقَاعِ ٱلْمَعْمُورَةِ.‏

وِلَادَةُ ٱلْمَسِيحِ

٩،‏ ١٠ ‏(‏أ)‏ مَاذَا رُبَّمَا تَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِ يُوسُفَ وَمَرْيَمَ وَهُمَا يَقْتَرِبَانِ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ؟‏ (‏ب)‏ أَيْنَ مَكَثَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ،‏ وَلِمَاذَا؟‏

٩ لَا بُدَّ أَنَّ مَرْيَمَ تَنَفَّسَتِ ٱلصُّعَدَاءَ حِينَ لَاحَتْ لَهَا بَيْتَ لَحْمُ مِنْ بَعِيدٍ.‏ وَفِيمَا صَعِدَتْ هِيَ وَيُوسُفُ ٱلتِّلَالَ وَٱجْتَازَا بَسَاتِينَ ٱلزَّيْتُونِ،‏ آخِرَ غِلَالِ ٱلْمَوْسِمِ،‏ تَبَادَرَ إِلَى ذِهْنِهِمَا عَلَى ٱلْأَرْجَحِ تَارِيخُ هٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ.‏ فَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ أَنْ تُعَدَّ بَيْنَ مُدُنِ يَهُوذَا،‏ كَمَا قَالَ مِيخَا ٱلنَّبِيُّ،‏ لٰكِنَّهَا مَسْقَطُ رَأْسِ بُوعَزَ وَنُعْمِي وَلَاحِقًا دَاوُدَ،‏ وذٰلِكَ قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ.‏

١٠ كَانَتِ ٱلْقَرْيَةُ تَعِجُّ بِٱلْمُسَافِرِينَ حِينَ وَصَلَا.‏ فَقَدْ أَتَى كَثِيرُونَ قَبْلَهُمَا لِلِٱكْتِتَابِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي ٱلنُّزُلِ.‏ * وَمَا كَانَ أَمَامَهُمَا سِوَى ٱلْمَبِيتِ فِي إِسْطَبْلٍ.‏ تَخَيَّلْ كَمْ قَلِقَ يُوسُفُ وَهُوَ يَرَى زَوْجَتَهُ تُعَانِي آلَامًا حَادَّةً لَمْ تَعْهَدْهَا مِنْ قَبْلُ،‏ آلَامًا مَا لَبِثَتْ أَنْ أَصْبَحَتْ مَخَاضًا شَدِيدًا وَهِيَ فِي أَسْوَإِ مَكَانٍ يَخْطُرُ بِٱلْبَالِ!‏

١١ ‏(‏أ)‏ لِمَ تَتَعَاطَفُ ٱلنِّسَاءُ مَعَ مَرْيَمَ؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ كَانَ يَسُوعُ «ٱلْبِكْرَ»؟‏

١١ كُلُّ ٱلنِّسَاءِ لَا يَسَعُهُنَّ إِلَّا أَنْ يَتَعَاطَفْنَ مَعْ مَرْيَمَ.‏ فَقَبْلَ ذٰلِكَ ٱلزَّمَنِ بِنَحْوِ ٤٬٠٠٠ سَنَةٍ،‏ أَنْبَأَ يَهْوَهُ بِأَنَّ ٱلنِّسَاءَ سَيَلِدْنَ بِٱلْأَوْجَاعِ نَتِيجَةَ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْرُوثَةِ.‏ (‏تك ٣:‏١٦‏)‏ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يَدُلُّ أَنَّ مَرْيَمَ كَانَتْ مُسْتَثْنَاةً.‏ لٰكِنَّ لُوقَا تَحَفَّظَ عَنْ ذِكْرِ تَفَاصِيلَ كَهٰذِهِ مُكْتَفِيًا بِٱلْقَوْلِ:‏ «وَلَدَتِ ٱبْنَهَا ٱلْبِكْرَ».‏ (‏لو ٢:‏٧‏)‏ نَعَمْ،‏ لَقَدْ وَضَعَتْ مَرْيَمُ ‹بِكْرَهَا›،‏ مَوْلُودَهَا ٱلْأَوَّلَ بَيْنَ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ عَلَى ٱلْأَقَلِّ.‏ (‏مر ٦:‏٣‏)‏ لٰكِنَّهُ مُخْتَلِفٌ عَنْهُمْ جَمِيعًا،‏ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكْرَهَا فَحَسْبُ،‏ بَلْ أَيْضًا «بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةِ» يَهْوَهَ،‏ ٱبْنُهُ مَوْلُودُهُ ٱلْوَحِيدُ.‏ —‏ كو ١:‏١٥‏.‏

١٢ أَيْنَ أَضْجَعَتْ مَرْيَمُ ٱلطِّفْلَ،‏ وَكَيْفَ تَخْتَلِفُ ٱلْحَقِيقَةُ عَنْ مَسْرَحِيَّاتِ وَرُسُومَاتِ وَمُجَسَّمَاتِ ٱلْمِيلَادِ؟‏

١٢ وَٱلْآنَ تُضِيفُ ٱلرِّوَايَةُ تَفْصِيلًا ذَاعَ ذِكْرُهُ بَيْنَ ٱلنَّاسِ:‏ «قَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي مِذْوَدٍ».‏ (‏لو ٢:‏٧‏)‏ حَوْلَ ٱلْعَالَمِ،‏ تُصَوِّرُ مَسْرَحِيَّاتُ وَرُسُومَاتُ وَمُجَسَّمَاتُ ٱلْمِيلَادِ هٰذَا ٱلْمَشْهَدَ بِعَاطِفِيَّةٍ مُفْرِطَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ ٱلْوَاقِعِ.‏ وَلٰكِنْ تَأَمَّلْ حَقِيقَةَ ٱلْأَمْرِ.‏ إِنَّ ٱلْمِذْوَدَ هُوَ ٱلْمَعْلَفُ ٱلَّذِي تَأْكُلُ مِنْهُ ٱلْمَاشِيَةُ وَٱلدَّوَابُّ ٱلْعَلَفَ.‏ وَٱلْعَائِلَةُ كَانَتْ مُقِيمَةً فِي زَرِيبَةٍ أَوْ إِسْطَبْلٍ ٱلَّذِي هُوَ،‏ بِمَقَايِيسِ ٱلْمَاضِي أَوِ ٱلْحَاضِرِ،‏ مَكَانٌ غَيْرُ صِحِّيٍّ خَالٍ مِنَ ٱلْهَوَاءِ ٱلنَّقِيِّ.‏ فَأَيُّ أَبَوَيْنِ يَخْتَارَانِ مَكَانًا كَهٰذَا لِوِلَادَةِ طِفْلِهِمَا لَوْ كَانَ ٱلْأَمْرُ فِي يَدِهِمَا؟‏!‏ إِنَّ ٱلْوَالِدِينَ عُمُومًا يُرِيدُونَ ٱلْأَفْضَلَ لِأَوْلَادِهِمْ،‏ فَكَمْ بِٱلْأَحْرَى يُوسُفُ وَمَرْيَمُ،‏ وَطِفْلُهُمَا هُوَ ٱبْنُ ٱللهِ!‏

١٣ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ فَعَلَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ كُلَّ مَا يَسْتَطِيعَانِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُمَا؟‏ (‏ب)‏ كَيْفَ يُمْكِنُ لِلْوَالِدِينَ ٱلْحُكَمَاءِ ٱلْيَوْمَ أَنْ يَقْتَدُوا بِمِثَالِ يُوسُفَ وَمَرْيَمَ؟‏

١٣ مَعَ هٰذَا،‏ لَمْ يَدَعِ ٱلزَّوْجَانِ ظُرُوفَهُمَا ٱلْقَاهِرَةَ تُكَدِّرُهُمَا،‏ بَلْ فَعَلَا كُلَّ مَا يَسْتَطِيعَانِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُمَا.‏ لَاحِظْ مَثَلًا أَنَّ مَرْيَمَ نَفْسَهَا ٱعْتَنَتْ بِٱلطِّفْلِ،‏ فَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ بِٱعْتِنَاءٍ فِي ٱلْمِذْوَدِ وَتَأَكَّدَتْ أَنْ يَنْعَمَ بِٱلدِّفْءِ وَٱلْأَمَانِ.‏ فَهِيَ لَمْ تَدَعِ ٱلْقَلَقَ بِشَأْنِ وَضْعِهَا ٱلرَّاهِنِ يَحُولُ دُونَ أَنْ تُزَوِّدَ ٱبْنَهَا بِأَفْضَلِ رِعَايَةٍ مُمْكِنَةٍ.‏ وَأَدْرَكَتْ أَيْضًا هِيَ وَيُوسُفُ أَنَّ ٱلِٱهْتِمَامَ بِٱبْنِهِمَا رُوحِيًّا هُوَ ٱلْأَمْرُ ٱلْأَهَمُّ.‏ ‏(‏اقرإ التثنية ٦:‏​٦-‏٨‏.‏‏)‏ بِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ ٱلْيَوْمَ،‏ يُعْطِي ٱلْوَالِدُونَ ٱلْحُكَمَاءُ ٱلْأَوْلَوِيَّةَ لِعَلَاقَةِ أَوْلَادِهِمْ بِٱللهِ فِيمَا يَسْهَرُونَ عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ فِي هٰذَا ٱلْعَالَمِ ٱلْفَقِيرِ رُوحِيًّا.‏

زِيَارَةٌ مُشَجِّعَةٌ

١٤،‏ ١٥ ‏(‏أ)‏ لِمَ تَشَوَّقَ ٱلرُّعَاةُ إِلَى رُؤْيَةِ ٱلطِّفْلِ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا فَعَلَ ٱلرُّعَاةُ بَعْدَمَا رَأَوُا ٱلطِّفْلَ فِي ٱلْإِسْطَبْلِ؟‏

١٤ فَجْأَةً،‏ تَعَكَّرَ ٱلْجَوُّ ٱلْهَادِئُ بِجَلَبَةِ رُعَاةٍ أَتَوْا إِلَى ٱلْإِسْطَبْلِ مُتَشَوِّقِينَ إِلَى رُؤْيَةِ ٱلْعَائِلَةِ وَخُصُوصًا ٱلطِّفْلَ.‏ لَقَدْ كَانُوا مُتَّقِدِينَ حَمَاسَةً وَفَرَحًا.‏ فَهُمْ أَسْرَعُوا فِي ٱلْمَجِيءِ مِنَ ٱلتِّلَالِ حَيْثُ يَعِيشُونَ مَعَ قُطْعَانِهِمْ.‏ * وَأَخَذُوا يَقُصُّونَ عَلَى ٱلْأَبَوَيْنِ ٱلْمَذْهُولَيْنِ حَدَثًا رَائِعًا حَصَلَ مَعَهُمْ.‏ فَفِيمَا كَانُوا فِي ٱلتِّلَالِ سَاهِرِينَ فِي هُزُعِ ٱللَّيْلِ،‏ إِذَا بِمَلَاكٍ يَظْهَرُ لَهُمْ وَمَجْدِ يَهْوَهَ يُضِيءُ حَوْلَهُمْ.‏ فَقَالَ لَهُمُ ٱلْمَلَاكُ إِنَّ ٱلْمَسِيحَ،‏ أَوِ ٱلْمَسِيَّا،‏ قَدْ وُلِدَ فِي بَيْتَ لَحْمَ،‏ وَهَا هُوَ مُقَمَّطٌ وَمُضْجَعٌ فِي مِذْوَدٍ.‏ ثُمَّ حَدَثَ أَمْرٌ أَكْثَرُ رَوْعَةً:‏ ظَهَرَ حَشْدٌ عَظِيمٌ مِنَ ٱلْمَلَائِكَةِ يُسَبِّحُ يَهْوَهَ.‏ —‏ لو ٢:‏​٨-‏١٤‏.‏

١٥ فَلَا عَجَبَ أَنْ هَرَعَ هٰؤُلَاءِ ٱلرُّعَاةُ ٱلْمُتَوَاضِعُونَ إِلَى بَيْتَ لَحْمَ.‏ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ فَرِحُوا حِينَ رَأَوُا ٱلطِّفْلَ ٱلْمَوْلُودَ حَدِيثًا مُضْجَعًا هُنَاكَ،‏ تَمَامًا كَمَا قَالَ لَهُمُ ٱلْمَلَاكُ.‏ فَلَمْ يَحْتَفِظُوا بِهٰذِهِ ٱلْبِشَارَةِ لِأَنْفُسِهِمْ،‏ بَلْ رَاحُوا يُخْبِرُونَ «بِٱلْكَلَامِ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ .‏ .‏ .‏ وَجَمِيعُ ٱلَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قَالَهُ لَهُمُ ٱلرُّعَاةُ».‏ (‏لو ٢:‏​١٧،‏ ١٨‏)‏ كَمَا يَتَّضِحُ،‏ إِنَّ ٱلْقَادَةَ ٱلدِّينِيِّينَ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ ٱحْتَقَرُوا ٱلرُّعَاةَ،‏ أَمَّا يَهْوَهُ فَقَدَّرَ هٰؤُلَاءِ ٱلرِّجَالَ ٱلْأُمَنَاءَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ.‏ وَلٰكِنْ كَيْفَ أَثَّرَتْ هٰذِهِ ٱلزِّيَارَةُ فِي مَرْيَمَ؟‏

قَدَّرَ يَهْوَهُ ٱلرُّعَاةَ ٱلْأُمَنَاءَ ٱلْمُتَوَاضِعِينَ

١٦ كَيْفَ أَظْهَرَتْ مَرْيَمُ أَنَّهَا عَمِيقَةُ ٱلتَّفْكِيرِ،‏ وَمَاذَا سَاعَدَهَا أَنْ تُعْرِبَ عَنْ إِيمَانٍ قَوِيٍّ؟‏

١٦ رَغْمَ أَنَّ مَرْيَمَ شَعَرَتْ حَتْمًا بٱلْإِنْهَاكِ مِنَ ٱلْوِلَادَةِ وَمَشَقَّاتِهَا،‏ أَصْغَتْ بِٱنْتِبَاهٍ إِلَى كُلِّ كَلِمَةٍ قِيلَتْ.‏ وَفَعَلَتْ أَيْضًا أَكْثَرَ مِنْ ذٰلِكَ:‏ «كَانَتْ تَحْفَظُ كُلَّ هٰذَا ٱلْكَلَامِ،‏ مُتَفَكِّرَةً فِيهِ فِي قَلْبِهَا».‏ (‏لو ٢:‏١٩‏)‏ لَقَدْ أَظْهَرَتْ هٰذِهِ ٱلشَّابَّةُ أَنَّهَا عَمِيقَةُ ٱلتَّفْكِيرِ فِعْلًا.‏ فَهِيَ عَلِمَتْ أَنَّ ٱلرِّسَالَةَ ٱلْمَلَائِكِيَّةَ مُهِمَّةٌ لِلْغَايَةِ.‏ فَإِلٰهُهَا يَهْوَهُ أَرَادَ أَنْ تُدْرِكَ مَنْ هُوَ ٱبْنُهَا وَٱلدَّوْرَ ٱلْهَامَّ ٱلَّذِي سَيُؤَدِّيهِ.‏ لِهٰذَا ٱلسَّبَبِ،‏ لَمْ تُصْغِ إِلَى ٱلْكَلَامِ فَحَسْبُ،‏ بَلْ حَفِظَتْهُ فِي قَلْبِهَا كَيْ تَتَأَمَّلَ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى خِلَالَ ٱلْأَشْهُرِ وَٱلسِّنِينِ ٱلْمُقْبِلَةِ.‏ وَهٰذَا عَامِلٌ بَارِزٌ سَاعَدَهَا أَنْ تُعْرِبَ عَنْ إِيمَانٍ قَوِيٍّ طِيلَةَ حَيَاتِهَا.‏ —‏ اقرإ العبرانيين ١١:‏١‏.‏

أَصْغَتْ مَرْيَمُ بِٱعْتِنَاءٍ إِلَى كَلَامِ ٱلرُّعَاةِ وَحَفِظَتْهُ فِي قَلْبِهَا

١٧ كَيْفَ نَسِيرُ عَلَى خُطَى مَرْيَمَ فِي ٱلِٱسْتِفَادَةِ مِنَ ٱلْحَقَائِقِ ٱلرُّوحِيَّةِ؟‏

١٧ فَهَلْ تَسِيرُ أَنْتَ عَلَى خُطَى مَرْيَمَ؟‏ ضَمَّنَ يَهْوَهُ صَفَحَاتِ كَلِمَتِهِ حَقَائِقَ رُوحِيَّةً هَامَّةً.‏ لٰكِنَّ هٰذِهِ ٱلْحَقَائِقَ لَا تُجْدِينَا نَفْعًا إِنْ لَمْ نُصْغِ إِلَيْهَا.‏ فَكَيْفَ نَفْعَلُ ذٰلِكَ؟‏ بِقِرَاءَةِ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ بِٱنْتِظَامٍ،‏ وَلٰكِنْ لَيْسَ بِٱعْتِبَارِهِ مُجَرَّدَ عَمَلٍ أَدَبِيٍّ بَلْ كَلِمَةَ ٱللهِ ٱلْمُوحَى بِهَا.‏ (‏٢ تي ٣:‏١٦‏)‏ ثُمَّ عَلَيْنَا،‏ أُسْوَةً بِمَرْيَمَ،‏ أَنْ نَتَأَمَّلَ فِي هٰذِهِ ٱلْأَقْوَالِ ٱلرُّوحِيَّةِ وَنَتَفَكَّرَ فِيهَا دَاخِلَ قُلُوبِنَا.‏ فَحِينَ نُعَمِّقُ فَهْمَنَا لِمَا نَقْرَأُهُ فِي ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ،‏ وَنُفَكِّرُ مَلِيًّا كَيْفَ نُطَبِّقُ مَشُورَةَ يَهْوَهَ بِشَكْلٍ أَكْمَلَ،‏ نَمُدُّ إِيمَانَنَا بِمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ غِذَاءٍ لِيَنْمُوَ وَيَقْوَى.‏

أَقْوَالٌ أُخْرَى حَفِظَتْهَا فِي قَلْبِهَا

١٨ ‏(‏أ)‏ كَيْفَ أَطَاعَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ ٱلشَّرِيعَةَ ٱلْمُوسَوِيَّةَ خِلَالَ ٱلْأَيَّامِ ٱلْبَاكِرَةِ مِنْ عُمْرِ يَسُوعَ؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا كَشَفَتْ تَقْدِمَةُ يُوسُفَ وَمَرْيَمَ فِي ٱلْهَيْكَلِ عَنْ وَضْعِهِمَا ٱلْمَادِّيِّ؟‏

١٨ خَتَنَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ طِفْلَهُمَا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّامِنِ مِنْ عُمْرِهِ كَمَا ٱقْتَضَتْ شَرِيعَةُ مُوسَى،‏ وَسَمَّيَاهُ يَسُوعَ حَسْبَمَا أَوْصَى ٱلْمَلَاكُ.‏ (‏لو ١:‏٣١‏)‏ ثُمَّ حِينَ بَلَغَ ٱلْأَرْبَعِينَ يَوْمًا،‏ صَعِدَا بِهِ نَحْوَ عَشَرَةِ كِيلُومِتْرَاتٍ مِنْ بَيْتَ لَحْمَ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ فِي أُورُشَلِيمَ،‏ حَيْثُ قَرَّبَا تَقْدِمَةَ ٱلتَّطْهِيرِ ٱلَّتِي فَرَضَتْهَا ٱلشَّرِيعَةُ عَلَى ٱلْفُقَرَاءِ:‏ زَوْجَ تِرْغَلٍّ أَوْ فَرْخَيْ يَمَامٍ.‏ وَفِي حَالِ شَعَرَا بِٱلْخَجَلِ لِعَجْزِهِمَا عَنْ تَقْرِيبِ حَمَلٍ وَتِرْغَلَّةٍ مِثْلَ ٱلْوَالِدِينَ ٱلْمَيْسُورِينَ،‏ فَهُمَا لَمْ يَدَعَا هٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرَ تَسْتَأْثِرُ بِهِمَا لِأَنَّهُمَا طَبَّقَا ٱلشَّرِيعَةَ قَدْرَ ٱسْتِطَاعَتِهِمَا.‏ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ،‏ نَالَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ تَشْجِيعًا كَبِيرًا وَهُمَا فِي ٱلْهَيْكَلِ.‏ —‏ لو ٢:‏​٢١-‏٢٤‏.‏

١٩ ‏(‏أ)‏ أَيَّةُ أَقْوَالٍ أُخْرَى تَكَلَّمَ بِهَا سِمْعَانُ حَفِظَتْهَا مَرْيَمُ فِي قَلْبِهَا؟‏ (‏ب)‏ مَاذَا فَعَلَتْ حَنَّةُ حِينَ رَأَتْ يَسُوعَ؟‏

١٩ فَثَمَّةَ رَجُلٌ مُسِنٌّ ٱسْمُهُ سِمْعَانُ ٱقْتَرَبَ مِنْهُمَا وَكَلَّمَ مَرْيَمَ بِأَقْوَالٍ أُخْرَى حَفِظَتْهَا فِي قَلْبِهَا.‏ فَهُوَ سَبَقَ وَنَالَ وَعْدًا أَلَّا يُفَارِقَ ٱلْحَيَاةَ قَبْلَ أَنْ يَرَى ٱلْمَسِيَّا،‏ وَفِي ٱلْهَيْكَلِ كَشَفَ لَهُ رُوحُ يَهْوَهَ ٱلْقُدُسُ أَنَّ ٱلطِّفْلَ يَسُوعَ هُوَ ٱلْمُخَلِّصُ ٱلْمُنْبَأُ بِهِ.‏ بِٱلْإِضَافَةِ إِلَى ذٰلِكَ،‏ حَذَّرَ سِمْعَانُ مَرْيَمَ أَنَّهَا سَتُعَانِي ٱلْأَلَمَ وَٱلْحُزْنَ يَوْمًا مَا،‏ فَهِيَ سَتَشْعُرُ وَكَأَنَّ سَيْفًا طَوِيلًا يَجُوزُ فِي نَفْسِهَا.‏ (‏لو ٢:‏​٢٥-‏٣٥‏)‏ وَلَعَلَّ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَاتِ،‏ وَإِنْ لَمْ تُبَشِّرْ بِٱلْخَيْرِ،‏ سَاعَدَتْ مَرْيَمَ عَلَى ٱلِٱحْتِمَالِ حِينَ أَتَى هٰذَا ٱلْوَقْتُ ٱلْعَصِيبُ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً.‏ وَبَعْدَ سِمْعَانَ،‏ رَأَتِ ٱلطِّفْلَ ٱلصَّغِيرَ نَبِيَّةٌ ٱسْمُهَا حَنَّةُ وَأَخَذَتْ تَتَحَدَّثُ عَنْهُ إِلَى كُلِّ مَنْ يَرْجُو إِنْقَاذَ أُورُشَلِيمَ.‏ —‏ اقرأ لوقا ٢:‏​٣٦-‏٣٨‏.‏

نَالَ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ تَشْجِيعًا كَبِيرًا فِي هَيْكَلِ يَهْوَهَ بِأُورُشَلِيمَ

٢٠ لِمَ كَانَ إِحْضَارُ يَسُوعَ إِلَى ٱلْهَيْكَلِ قَرَارًا صَائِبًا؟‏

٢٠ يَا لَهُ مِنْ قَرَارٍ سَلِيمٍ ٱتَّخَذَهُ يُوسُفُ وَمَرْيَمُ بِإِحْضَارِ طِفْلِهِمَا إِلَى هَيْكَلِ يَهْوَهَ فِي أُورُشَلِيمَ!‏ فَقَدْ كَانَ ذٰلِكَ بِمَثَابَةِ ٱنْطِلَاقَةٍ لِٱبْنِهِمَا ٱلَّذِي دَاوَمَ عَلَى ٱرْتِيَادِ ٱلْهَيْكَلِ مَدَى حَيَاتِهِ.‏ كَمَا أَنَّهُمَا تَعَبَّدَا لِيَهْوَهَ هُنَاكَ حَسَبَ إِمْكَانِيَّاتِهِمَا وَنَالَا ٱلْكَثِيرَ مِنَ ٱلْإِرْشَادِ وَٱلتَّشْجِيعِ.‏ فَلَا شَكَّ أَنَّ مَرْيَمَ غَادَرَتِ ٱلْهَيْكَلَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ بِإِيمَانٍ أَقْوَى وَقَلْبٍ مُفْعَمٍ بِأَقْوَالٍ رُوحِيَّةٍ تَتَأَمَّلُ فِيهَا وَتُخْبِرُ ٱلْآخَرِينَ بِهَا.‏

٢١ كَيْفَ نَعْمَلُ عَلَى تَقْوِيَةِ إِيمَانِنَا مِثْلَ مَرْيَمَ؟‏

٢١ مَا أَرْوَعَ أَنْ نَرَى ٱلْوَالِدِينَ ٱلْيَوْمَ يَتَّبِعُونَ هٰذَا ٱلْمِثَالَ!‏ فَضِمْنَ جَمَاعَاتِ شُهُودِ يَهْوَهَ،‏ نَجِدُهُمْ يَصْطَحِبُونَ أَوْلَادَهُمْ بِٱنْتِظَامٍ إِلَى ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ ٱلْمَسِيحِيَّةِ.‏ وَهُمْ يَبْذُلُونَ كُلَّ مَا فِي وِسْعِهِمْ فِي عِبَادَةِ يَهْوَهَ،‏ وَيُشَجِّعُونَ رُفَقَاءَهُمُ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِكَلَامِهِمْ.‏ فَيَعُودُونَ مِنَ ٱلِٱجْتِمَاعَاتِ بِإِيمَانٍ أَقْوَى وَفَرَحٍ أَكْبَرَ،‏ مَمْلُوِّينَ أُمُورًا صَالِحَةً يَنْقُلُونَهَا إِلَى ٱلْآخَرِينَ.‏ فَكَمْ نَفْرَحُ حِينَ نَجْتَمِعُ بِهِمْ وَنَرَاهُمْ يُتَمِّمُونَ دَوْرَهُمْ بِأَمَانَةٍ!‏ فَهٰذَا يُرَسِّخُ إِيمَانَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ مِثْلَ مَرْيَمَ.‏

^ ‎الفقرة 7‏ لَاحِظِ ٱلتَّبَايُنَ بَيْنَ هٰذِهِ ٱلْحَادِثَةِ وَمَا يُقَالُ عَنْ رِحْلَةٍ سَابِقَةٍ:‏ «قَامَتْ مَرْيَمُ .‏ .‏ .‏ وَجَاءَتْ» لِزِيَارَةِ أَلِيصَابَاتَ.‏ (‏لو ١:‏٣٩‏)‏ فَفِي ٱلرِّحْلَةِ ٱلْأُولَى،‏ لَرُبَّمَا تَصَرَّفَتْ مَرْيَمُ دُونَ أَنْ تَسْتَشِيرَ يُوسُفَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً،‏ بَلْ مَخْطُوبَةً.‏ أَمَّا بَعْدَ زَوَاجِهِمَا،‏ فَقَرَارُ ٱلْقِيَامِ بِٱلرِّحْلَةِ يُنْسَبُ إِلَى يُوسُفَ،‏ وَلَيْسَ إِلَيْهَا.‏

^ ‎الفقرة 10‏ فِي تِلْكَ ٱلْأَيَّامِ،‏ كَانَتِ ٱلْقُرَى عَادَةً تُؤَمِّنُ أَمَاكِنَ يَبِيتُ فِيهَا ٱلْمُسَافِرُونَ وَٱلْقَوَافِلُ ٱلْعَابِرَةُ.‏

^ ‎الفقرة 14‏ إِنَّ وُجُودَ ٱلرُّعَاةِ آنَذَاكَ فِي ٱلْعَرَاءِ مَعَ قُطْعَانِهِمْ يُؤَكِّدُ صِحَّةَ ٱلتَّأْرِيخِ ٱلْمُؤَسَّسِ عَلَى ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ:‏ إِنَّ وِلَادَةَ ٱلْمَسِيحِ لَمْ تَحْدُثْ فِي كَانُونِ ٱلْأَوَّلِ (‏دِيسَمْبِر)‏،‏ حِينَ يُفْتَرَضُ أَنْ يَأْوِيَ ٱلرُّعَاةُ قُطْعَانَهُمْ فِي ٱلْحَظَائِرِ عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ،‏ بَلْ بِٱلْأَحْرَى فِي أَوَائِلِ تِشْرِينَ ٱلْأَوَّلِ (‏أُكْتوبِر)‏.‏