الانتقال الى المحتويات

الانتقال إلى المحتويات

هل تفتقد الامان والثقة بالنفس؟‏

هل تفتقد الامان والثقة بالنفس؟‏

هل من مخلوق يبدو ضعيفا عاجزا اكثر من طفل رضيع عمره ايام؟‏ هذه كانت حالنا جميعا.‏ فحالما نبصر النور،‏ نعتمد على والدينا في كل شاردة وواردة لننعم بالامان والطمأنينة.‏ وعندما نخطو خطواتنا الاولى ونرى حوالينا اشخاصا غرباء يرتفعون فوقنا بقاماتهم الطويلة،‏ لا يتبدد خوفنا ما لم نطمئن الى وجود والدينا بقربنا.‏ ولا نحس بالامان والثقة إلا حين نتشبث بيد امِّنا او ابينا.‏

وخلال سنوات الطفولة،‏ تسهم المحبة وكلمات التشجيع التي يغمرنا بها والدونا في خيرنا وسعادتنا.‏ فكلما افاضوا علينا بمحبتهم،‏ تعزَّز احساسنا بالطمأنينة.‏ وكلما اكدوا لنا اننا نحسن التصرف،‏ ترسَّخت ثقتنا بأنفسنا وأحرزنا المزيد من التقدم.‏

وفيما نكبر قليلا،‏ يأتي دور اصدقائنا الاحماء في تقوية شعورنا بالامان والاستقرار.‏ فنحس بالراحة في حضورهم وتخف الرهبة التي تعترينا عادة في المدرسة.‏

تصوِّر هذه الافكار الطفولة المثالية.‏ فبعض الاولاد قلما يحظون بأصدقاء احماء،‏ وكثيرون جدا بالكاد يدعمهم والدوهم.‏ تعترف مليسا:‏ * «عندما ارى صورا لعائلات متحدة تقضي الوقت معا،‏ اقول في نفسي:‏ ‹ليتني ذقت طعم هذه الألفة في صغري›».‏ فهل هذا هو شعورك انت ايضا؟‏

حين تعيش طفولة يسودها القلق والاضطراب

لعلك لم تنل المساعدة على تنمية الثقة بالنفس خلال سنوات نموك الباكرة.‏ فلربما نادرا ما احاطك احد بالمحبة والتشجيع.‏ ويُحتمل انك لا تنسى المشاجرات المستمرة بين ابيك وأمك التي ادت الى انفصالهما،‏ وقد تلوم نفسك على ذلك.‏ والاسوأ ان يكون احد والديك قد اساء اليك شفهيا او جسديا.‏

فكيف يتصرف الاولاد الذين يتربون في بيئة تخلو من الامان والطمأنينة؟‏ يلجأون الى المخدِّرات او يدمنون على الكحول خلال سني مراهقتهم.‏ او ينضمون الى العصابات بحثا عن شعور بالانتماء.‏ او يتورطون في علاقات عاطفية ينشدون فيها المحبة والحنان.‏ لكن هذه العلاقات لا تدوم طويلا في العادة،‏ وفسخها غالبا ما يزيد القلق قلقا والضياع ضياعا.‏

وإذا سلم هؤلاء المراهقون الضعفاء من تلك المآزق الكبيرة،‏ يكبرون وفي داخلهم شعور بأن لا قيمة لهم.‏ توضح آنا:‏ «اقتنعت بأني لا اصلح لشيء.‏ فهذا ما كرَّرته امي على مسامعي مرة بعد اخرى.‏ انا لا اذكر يوما انها مدحتني او اظهرت لي محبتها».‏

طبعا،‏ ليست التربية هي المسبب الوحيد لانعدام الثقة والامان.‏ فالبعض يمرون بتجربة طلاق مأساوية،‏ ويعاني آخرون من بلايا الشيخوخة،‏ او يقلقون بشأن مظهرهم الشخصي.‏ في كل الاحوال،‏ تسلبك هذه المشاعر فرحك وتخرِّب علاقاتك بالآخرين.‏ فكيف عساك تتغلب عليها؟‏

الله يهتم بك فعلا

بداية،‏ لنبقِ في بالنا ان يد العون ممدودة لنا جميعا.‏ فالله يقدر ان يساعدنا بل يرغب في ذلك ايضا.‏

اليك ما يقوله بفم نبيِّه اشعيا:‏ «لا تخف لأني معك.‏ لا تتلفَّت لأني الهك.‏ اشدِّدك وأعينك.‏ اعضدك بيمين بري».‏ (‏اشعيا ٤١:‏١٠،‏ ١٣‏)‏ أفلا تطمئن وترتاح حين تتخيل الله ممسكا بيدك؟‏!‏ فلا داعي ان تشعر بالخوف والتقلقل.‏

والكتاب المقدس يخبرنا عن عباد لله خالجتهم مشاعر كهذه،‏ لكنهم تعلموا ان يمسكوا بيد إلههم.‏ مثلا،‏ احست حنة ام صموئيل بالفشل لأنها لم تنجب طفلا،‏ وكثيرا ما عُيِّرت بعقمها.‏ ففقدت شهيتها وأمضت معظم وقتها تبكي.‏ (‏١ صموئيل ١:‏٦،‏ ٨‏)‏ ولكن بعدما سكبت مشاعرها امام الله تلاشت خيبتها وتعاستها.‏ —‏ ١ صموئيل ١:‏١٨‏.‏

كذلك المرنم الملهم داود خسر من وقت الى آخر احساسه بالامان.‏ فقد ظل مطارَدا طوال سنوات من قبل الملك شاول.‏ كما نجا من محاولات قتل عديدة،‏ وشعر احيانا انه غارق في دوامة من المشاكل.‏ (‏مزمور ٥٥:‏٣-‏٥؛‏ ٦٩:‏١‏)‏ مع ذلك كتب:‏ «بسلام اضطجع،‏ بل ايضا انام،‏ لأنك انت وحدك يا يهوه في امن تُسكنني».‏ —‏ مزمور ٤:‏٨‏.‏

لقد ألقى كل من حنة وداود اعباءهما العاطفية على يهوه،‏ فلمسا لمس اليد دعمه ومساعدته.‏ (‏مزمور ٥٥:‏٢٢‏)‏ فكيف نقتدي بهما اليوم؟‏

ثلاث طرائق تعزِّز شعورك بالثقة والامان

١-‏ اعتبِر يهوه ابا لك وثق به.‏

حثَّنا يسوع ان نتعرف بأبيه «الاله الحق الوحيد».‏ (‏يوحنا ١٧:‏٣‏)‏ وأكد لنا الرسول بولس ان الله «ليس بعيدا عن كل واحد منا».‏ (‏اعمال ١٧:‏٢٧‏)‏ كما كتب يعقوب:‏ «اقتربوا الى الله فيقترب اليكم».‏ —‏ يعقوب ٤:‏٨‏.‏

فحين نعي ان لدينا ابا سماويا يحبنا ويحفل لأمرنا،‏ نخطو خطوة اساسية نحو التغلب على القلق والاضطراب.‏ صحيح ان هذه الثقة لا تُبنى بين ليلة وضحاها،‏ لكن كثيرين وجدوا ان الامر يستحق الجهد.‏ تقول كارولين:‏ «عندما بدأت اعتبر يهوه ابا لي،‏ صار لديَّ اخيرا مَن ابوح له بمشاعري الدفينة،‏ وهذا اراحني كثيرا».‏

وتتذكر رايتشل:‏ «يهوه هو الذي ساعدني ان احس بالامان والثقة لمَّا تُركت وحيدة بلا اب وأم.‏ فكنت اتكلم معه وأطلب منه ان يساعدني في حل مشاكلي،‏ وهو لم يخذلني قط».‏ *

٢-‏ أحِط نفسك بعائلة روحية.‏

علَّم يسوع تلاميذه ان يعتبروا بعضهم بعضا اخوة وأخوات.‏ قال لهم:‏ «انتم جميعا اخوة».‏ (‏متى ٢٣:‏٨‏)‏ فقد اراد ان يحبوا واحدهم الآخر ويؤلِّفوا معا عائلة روحية كبيرة.‏ —‏ متى ١٢:‏٤٨-‏٥٠؛‏ يوحنا ١٣:‏٣٥‏.‏

وتحاول جماعات شهود يهوه ان توفِّر لأفرادها جوا من الدفء والراحة والوئام الذي تتمتع به العائلة الروحية الحقيقية.‏ (‏عبرانيين ١٠:‏٢٤،‏ ٢٥‏)‏ ويجد كثيرون ان حضور الاجتماعات يبلسم ندوبهم وجراحاتهم العاطفية.‏

تتذكر إيفا:‏ «كان لديَّ صديقة مميزة في الجماعة تفهمت وجعي.‏ فقد اصغت لي،‏ قرأت عليَّ آيات من الكتاب المقدس،‏ وصلَّت معي.‏ وحرصت دوما ألا اكون وحيدة.‏ كما ساعدتني ان افضي بهمومي وأحلل الامور بكل جوانبها.‏ وبفضل دعمها،‏ بدأت الطمأنينة تدخل الى قلبي».‏ وتضيف رايتشل:‏ «وجدت ‹ابا وأما› في الجماعة.‏ لقد احسست بالمحبة والامان في كنفها».‏

٣-‏ اعرِب عن المحبة واللطف‏.‏

ان الاعراب عن المحبة واللطف يبني صداقات متينة الروابط.‏ ذكر يسوع:‏ «السعادة في العطاء اكثر منها في الأخذ».‏ (‏اعمال ٢٠:‏٣٥‏)‏ وسنرى بالتأكيد اننا كلما اغدقنا محبتنا على الآخرين،‏ بادلونا بالمثل وأكثر.‏ فقد قال يسوع لتلاميذه:‏ «مارسوا العطاء تُعطَوا».‏ —‏ لوقا ٦:‏٣٨‏.‏

وحين نحب ونحَب،‏ يقوى شعورنا بالامان والثقة بالنفس.‏ فالكتاب المقدس يوضح:‏ «المحبة لا تفنى ابدا»،‏ اي لا تفشل.‏ (‏١ كورنثوس ١٣:‏٨‏)‏ تعترف ماريا:‏ «اعلم ان بعض آرائي السلبية في شخصيتي ليست صحيحة.‏ لذا احاول ان اتغلب عليها بالتركيز على مساعدة الغير،‏ فلا اعود افكر في نفسي.‏ انا اشعر دوما بالرضى والسعادة عندما اخدم الآخرين».‏

وداعا للقلق والاضطراب

ليست الخطوات السابقة وصفة سحرية تحل مشكلتك فورا وإلى الابد.‏ لكنها تشعرك فعلا بتحسن ملحوظ.‏ تعترف كارولين:‏ «ما زالت مشاعر القلق وعدم الطمأنينة تساورني،‏ لكني الآن اقدِّر قيمة نفسي اكثر.‏ فأنا اعلم ان الله يهتم بي،‏ ولديَّ ايضا الكثير من الاصدقاء المقرَّبين الذين يبعثون في قلبي احساسا بالثقة والامان».‏ وتشاطرها رايتشل مشاعرها قائلة:‏ «يستولي عليَّ الحزن من وقت لآخر.‏ لكني انعم بإخوة وأخوات روحيين يمدونني بالنصيحة ويساعدونني ان اتطلع الى الامور بإيجابية.‏ والاهم،‏ لدي اب سماوي اكلِّمه يوميا.‏ وهذا يعطي معنى كبيرا لحياتي».‏

يتحدث الكتاب المقدس عن مجيء عالم جديد سنتمتع فيه جميعا بالامان والطمأنينة

ولكن ما شعورك اذا عرفت ان هناك حلا جذريا يدوم الى الابد؟‏ فالكتاب المقدس يتحدث عن مجيء عالم جديد سنتمتع فيه جميعا بالامان والطمأنينة.‏ تعدنا كلمة الله:‏ «يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته،‏ ولا يكون مَن يُرعد».‏ (‏ميخا ٤:‏٤‏)‏ ففي ذلك الوقت،‏ سيمحى اثر كل مَن يهدِّد اماننا او يسبِّب لنا الاذى،‏ و «لا تُذكر» بعد كل جروح الماضي العميقة.‏ (‏اشعيا ٦٥:‏١٧،‏ ٢٥‏)‏ فالله وابنه يسوع المسيح سيقيمان «البر»،‏ فيشيع ‹الهدوء والامن الى الدهر›.‏ —‏ اشعيا ٣٢:‏١٧‏.‏

^ ‎الفقرة 5‏ كل الاسماء الواردة في المقالة مستعارة.‏

^ ‎الفقرة 21‏ يعرض شهود يهوه دروسا مجانية في الكتاب المقدس على الراغبين في الاقتراب اكثر الى الله.‏