قد يكون المال احد المواضيع الشائكة التي يصعب على الزوجين مناقشتها بهدوء.‏ فلا عجب ان يتصدر لائحة الاسباب التي تثير الخلافات الزوجية.‏

وقد يعاني الازواج الذين لا يمتلكون نظرة متزنة الى المال من التوتر والمشاكل ويلحق بهم اذى عاطفي وروحي ايضا.‏ (‏١ تيموثاوس ٦:‏٩،‏ ١٠‏)‏ والوالدون الذين يخفقون في تدبير المسائل المالية بحكمة ربما يضطرون الى العمل ساعات اطول،‏ فيحرمون اولادهم ورفقاء زواجهم من دعمهم العاطفي والروحي.‏ كما انهم يعلّمون اولادهم عدم الاتزان في المسائل المالية.‏

يذكر الكتاب المقدس:‏ «في المال حماية».‏ (‏جامعة ٧:‏١٢‏)‏ لكنّ المال لن يوفّر الحماية لزواجك وعائلتك ما لم تتعلم كيف تنفقه بحكمة،‏ والاهم كيف تتحاور مع رفيق زواجك بشأنه.‏ * وفي الواقع،‏ يمكن للمناقشات حول المال ان تقوّي الرباط الذي يجمعك برفيق دربك عوض ان تشعل فتيل الخصامات بينكما.‏

ولكن لمَ يسبّب المال مشاكل كثيرة في الزواج؟‏ وأية خطوات عملية يمكن اتخاذها بحيث يغدو المال نقطة وفاق لا نقطة خلاف؟‏

في اغلب الاحيان،‏ لا تُعزى الخلافات حول المسائل المالية الى طريقة استخدام المال بقدر ما تُعزى الى الثقة او الخوف.‏ مثلا،‏ ان الزوج الذي يصرّ ان تقدّم له زوجته تقريرا مفصّلا عن كل قرش تصرفه قد يعني في الواقع انه لا يثق بقدرتها على ادارة موارد العائلة المالية.‏ والزوجة التي تتشكى ان زوجها قلّما يدّخر المال ربما تعبّر عن مخاوفها من ان يستجدّ حدث ما يوقع العائلة في ضائقة مالية.‏

ويواجه الازواج تحديا آخر هو البيئة التي ترعرعوا فيها.‏ يذكر ماثيو المتزوج منذ ثماني سنوات:‏ «نشأت زوجتي في عائلة تحسن تدبير شؤونها المالية.‏ لذا لا تتملكها الهواجس التي تعتريني.‏ فقد كان ابي يعاقر الكحول ويدخن على مدار الساعة،‏ وظلّ عاطلا عن العمل فترات طويلة.‏ ولطالما اعوزتنا ضرورات الحياة،‏ لذا نما في داخلي خوف مريع من الرزوح تحت وطأة الدَّين.‏ وبسبب هذا  الخوف،‏ لا اتساهل احيانا مع زوجتي في المسائل المالية».‏ ولكن مهما كان سبب التوتر،‏ فماذا باستطاعتك ان تفعل حتى يساهم المال في تدعيم زواجك لا في تقويضه؟‏

صحيح ان الكتاب المقدس ليس مرجعا متخصصا في المسائل المالية،‏ لكنه يحوي في طياته مشورة عملية تمكّن الازواج من تفادي المشاكل حول المال.‏ فلمَ لا تفكّر مليا في نصائحه وتحاول ان تضع موضع العمل الاقتراحات المدرجة ادناه؟‏

١-‏ تعلَّم ان تتحدث بهدوء عن المسائل المالية.‏

يقول مثل حكيم:‏ «مع المتشاورين حكمة».‏ (‏امثال ١٣:‏١٠‏)‏ قد تصعّب عليك خلفيتك ان تستشير الآخرين،‏ وخصوصا رفيق زواجك،‏ في المسائل المالية.‏ لكنّ الحكمة تقتضي ان تتعلّم مناقشة هذا الموضوع المهم.‏ على سبيل المثال،‏ لمَ لا توضح لرفيق زواجك الاثر الذي ربما تركه فيك موقف والديك من المال؟‏ وحاول ايضا ان تتفهّم كيف تأثّر هو الآخر بالبيئة التي تربّى فيها.‏

ويحسن بك ان تستبق الامور وتناقش موضوع المال قبل ان تدبّ الخلافات بينك وبين رفيق زواجك.‏ سأل احد كتبة الكتاب المقدس:‏ «أيسير اثنان معا ما لم يتواعدا ويلتقيا؟‏».‏ (‏عاموس ٣:‏٣‏)‏ وكيف ينطبق هذا المبدأ؟‏ إن حددت وقتا لمناقشة المسائل المالية تتجنب الكثير من الجدالات التي تنجم عن سوء الفهم بينكما.‏

٢-‏ اسعَ وشريك حياتك الى تبني النظرة الملائمة الى المدخول.‏

توصي كلمة الله:‏ «خذوا المبادرة في اكرام بعضكم بعضا».‏ (‏روما ١٢:‏١٠‏)‏ اذا كنت انت من يعيل العائلة،‏ تكرم رفيق زواجك حين تعتبر ان مدخولك هو مال العائلة لا مالك الخاص.‏ —‏ ١ تيموثاوس ٥:‏٨‏.‏

اما اذا كنت انت ورفيق زواجك تجنيان المال،‏ فيكرم كل منكما الآخر حين يبقيه على علم بمدخوله ونفقاته الاساسية.‏ وإن كتمت هذه المعلومات عن رفيقك،‏ فلا بد انك ستقوّض ثقته بك وتعرّض علاقتكما للخطر.‏ صحيح انه ما من داع لاستئذانه قبل انفاق اي مبلغ بسيط،‏ ولكن ان ناقشت معه المشتريات الاكبر تبرهن انك تقيم لرأيه وزنا كبيرا.‏

٣-‏ دوِّن انت ورفيق زواجك خطة بمصروف العائلة.‏

يذكر الكتاب المقدس:‏ «خطط المجتهد تؤول الى المنفعة».‏ (‏امثال ٢١:‏٥‏)‏ وإحدى الطرائق لتخطط للمستقبل وتتفادى ان يذهب تعبك ادراج الرياح هي ان تضع ورفيق زواجك ميزانية للعائلة.‏ توضح نينا التي مضى على زواجها خمس سنوات:‏ «حين تدوّن مدخولك ومصروفك وترى الارقام بأم عينك،‏ قد تفاجئك النتيجة.‏ فسينكشف لك وضعك المالي على حقيقته».‏

ومن غير الضروري ان تتبع طريقة معقدة في وضع الميزانية.‏ يذكر دارِن،‏ رجل متزوج منذ ٢٦ سنة وأب لصبيَّين:‏ «في البداية،‏ كنا نوزع نفقاتنا الاسبوعية على ظروف.‏ فنخصص ظرفا للطعام وآخر للتسلية وآخر لقصّ الشعر ايضا.‏ فإن نفد المال من احدها نقترض من ظرف آخر،‏ انما نحرص دائما على اعادة المبلغ بأسرع وقت ممكن».‏ وإذا كنت نادرا ما تدفع فواتيرك نقدا مستخدما عوض ذلك الانترنت او بطاقة الائتمان،‏ فمن المهم خصوصا ان تضع خطة بنفقاتك وتحفظ سجلا بها.‏

٤-‏ اتفق مع رفيق زواجك مَن سيتولّى الاهتمام بالمصاريف‏.‏

يذكر سليمان الحكيم:‏ «اثنان خير من واحد،‏ لأن لهما جزاء افضل على عملهما معا».‏ (‏جامعة ٤:‏٩،‏ ١٠‏،‏ الترجمة العربية الجديدة‏)‏ في بعض العائلات،‏ يتولّى الزوج الاهتمام بالمصاريف.‏ اما في عائلات اخرى فتنهض الزوجة بهذه المسؤولية بكل جدارة.‏ (‏امثال ٣١:‏١٠-‏٢٨‏)‏ بالمقابل،‏ يختار ازواج كثيرون تقاسم هذا العبء.‏ يقول ماريو المتزوج منذ ٢١ سنة:‏ «تتولّى زوجتي دفع الفواتير والمصاريف الصغيرة،‏ في حين اهتم انا بالضرائب والكمبيالات والايجار.‏ ونحن نطلع واحدنا الآخر على ما نفعله ونعمل معا كشريكين».‏ وبصرف النظر عن الطريقة التي تتّبعها،‏ ان مفتاح النجاح هو العمل جنبا الى جنب كفريق موحَّد.‏

ليس من الضروري ان تؤدي النقاشات حول المال الى اخماد الحب بين الزوجين.‏ وهذا ما تحققت من صحته لِيا التي مضى على زواجها خمس سنوات.‏ فهي تذكر:‏ «تعلّمنا انا وزوجي مناقشة الامور المالية بصراحة وصدق.‏ نتيجة لذلك،‏ نعمل الآن كفريق وتقوى اواصر الحب بيننا».‏

فحين يتناقش الزوجان كيف يريدان انفاق المال،‏ يتشاركان الآمال والاحلام عينها ويؤكدان التزامهما بعهد الزواج.‏ وعندما يتحاوران معا قبل ابتياع المشتريات الكبيرة،‏ يظهران الاحترام لآراء ومشاعر واحدهما الآخر.‏ كما انهما يعربان عن الثقة حين يمنحان بعضهما بعضا مقدارا من الحرية لإنفاق مبلغ محدد من المال دون استشارة الطرف الثاني.‏ وهذه كلها،‏ الالتزام والاحترام والثقة،‏ هي مقوّمات الحب الحقيقي.‏ ولا شك ان حبّا كهذا اثمن بكثير من كنوز الدنيا كلها.‏ فهل يستأهل المال اذًا ان تتخاصما حوله وتعكّرا صفو حياتكما؟‏!‏